الآية إذ يقول : «جعلها ملائمةً بطبائعكم ، موافقةً لِأجسادكم ولم يجعلها شديدة الحماء والحرارة فتحرقكم ولا شديدة البرودة فتجمدكم ولا شديد طيب الريح فتصدع هاماتكم ولا شديد النّتن فتعطبكم ولا شديدة اللّين كالماء فتغرقكم ولا شديدة الصّلّابة فتمتنع عليكم في دوركم وأبنيتكم وقبور موتاكم ... فلذلك جعل الأرض فراشاً لكم».
ثم تتعرض الآية إلى نعمة السماء فتقول : (وَالسَّمَاءَ بِنَاءً).
كلمة «سماء» وردت في القرآن بمعان مختلفة ، وكلها تشير إلى العلو ، وأحد معاني السماء «جوّ الأرض» وهو المقصود في الآية الكريمة ، وجوّ الأرض هو الطبقة الهوائية الكثيفة المحيطة بالكرة الأرضية ، ويبلغ سمكها عدّة مئات من الكيلومترات.
هذه الطبقة الهوائية مثل سقف شفاف يحيط بكرتنا الأرضية من كل جانب ، ولو لم يكن هذا السقف لتعرضت الأرض دوماً إلى رشق الشهب والنيازك السماوية المتناثرة ، ولما كان للبشر أمان ولا استقرار على ظهر هذا الكوكب.
بعد ذلك تطرقت الآية إلى نعمة المطر : (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً). ماءً يحي الأرض ويخرج منها الثمرات.
ثم تشير الآية إلى نعمة الثمرات التي تخرج من بركة الأمطار لتكون رزقاً لبني البشر (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ).
وإخراج الثمرات مدعاة للشكر على رحمة ربّ العالمين لعباده ، ومدعاة للإذعان بقدرة ربّ العالمين في إخراج ثمر مختلف ألوانه ، من ماء عديم اللون ، ليكون قوتاً للإنسان والحيوان ، لذلك عطف عليها قوله تعالى : (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
«الأنداد» : جمع «نِد» على وزن ضدّ ، وهو الشبيه والشريك. وبعبارة أدق : ندّ الشيء ونديده مشاركة في جوهره ، وذلك ضرب من المماثلة ، أي المماثلة في جوهر الذات.
الشّرك في أشكال مختلفة : إنّ الشّرك بالله لا ينحصر باتّخاذ الأوثان الحجرية والخشبية آلهة من دون الله كما يفعل الوثنيون ، بل إنّ للشرك معنى أوسع ، وبشكل عام كل اعتقاد بوجود أشياء لها نفس تأثير الله في الحياة هو نوع من الشرك. وهذا ما يعبّر عنه ابن عبّاس إذ يقول : «الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل ، وهو أن يقول : والله وحياتك يا فلان وحياتي. ويقول : لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة ، ولولا