واحتجّوا بالحروف المقطعة «الم» وقالوا : بموجب حساب الحروف الأبجدية ، فإنّ الألف في الحساب الأبجدي تساوي الواحد ، واللّام تساوي ٣٠ ، والميم تساوي ٤٠ ، وبهذه فإنّ فترة بقاء امّتك لا تزيد على إحدى وسبعين سنة! ومن أجل أن يلجمهم رسول الله صلىاللهعليهوآله تساءل وقال ما معناه : لماذا حسبتم «ألم» وحدها؟ ألم تروا أنّ في القرآن «المص» و «الر» ونظائرها من الحروف المقطعة ، فإذا كانت هذه الحروف تدلّ على مدة بقاء امتي ، فلماذا لا تحسبونها كلها؟ (مع أنّ القصد من هذه الحروف أمر آخر) وعندئذ نزلت هذه الآية.
التّفسير
المحكم والمتشابه في القرآن : تقدم في الآيات السابقة الحديث عن نزول القرآن بعنوان أحد الدلائل الواضحة والمعجزات البيّنة لنبوة الرسول صلىاللهعليهوآله ففي هذه الآية تذكر أحد مختصّات القرآن وكيفية بيان هذا الكتاب السماوي العظيم للمواضيع والمطالب فيقول في البداية : (هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ). أي : آيات صريحة وواضحة والتي تعتبر الأساس والأصل لهذا الكتاب السماوي (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ). ثم إنّ هناك آيات اخرى غامضة بسبب علوّ مفاهيمها وعمق معارفها أو لجهات اخرى (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ).
هذه الآيات المتشابهة إنّما ذكرت لاختبار العلماء الحقيقيين وتميزهم عن الأشخاص المعاندين اللجوجين الذين يطلبون الفتنة ، فلذلك تضيف الآية : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) (١). فيفسّرون هذه الآيات المتشابهة وفقاً لأهواءهم كيما يضلّوا الناس ويشبّهوا عليهم.
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ).
ثم تضيف الآية : أنّ هؤلاء أي الراسخون في العلم بسبب دركهم الصحيح لمعنى المحكمات والمتشابهات (يَقُولُونَءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبّنَا). أجل (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ).
من هذه الآية نستنتج أنّ آيات القرآن قسمان : قسم معانيها واضحة جدّاً بحيث لا يمكن إنكارها ولا إساءة تأويلها وتفسيرها ، وهذه هي الآيات «المحكمات» وقسم آخر مواضيعها رفيعة المستوى ، أو أنّها تدور حول عوالم بعيدة عن متناول أيدينا ، كعلم الغيب ، وعالم يوم القيامة ، وصفات الله ، بحيث إنّ معرفة معانيها النهائية وإدراك كنه أسرارها
__________________
(١) «زيغ» : في الأصل بمعنى الانحراف عن الخط المستقيم والتمايل إلى جهة ، والزيغ في القلب بمعنى الانحراف العقائدي عن صراط المستقيم.