قادر كافل لخلقه آمرناه ، فلا تساويه أصنامكم العادمة لهذه الصفات ، كما لا يستوي رجلان أحدهما جامع لهذه الصفات ، وآخر عادمها.
(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٧٨) [النحل : ٧٨] يذكرها بعضهم في أوائل المنطق فيقول : / [١٢١ أ] إن الإنسان في مبدأ الفطرة لا يعلم شيئا ، ثم إنه يدرك المحسوسات بحواسه ، فيتنبه لمشاركات بينها ومباينات ، فيستنتج منها تصورات وتصديقات تحصل علوما عقلية ومطالب نظرية.
(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٧٩) [النحل : ٧٩] هذا عند الجمهور على معنى : أنه خلق لها آلة تطير بها ، وتستمسك وتنهض بها وتنزل ، كما خلق للدواب قوائم تمشي عليها ، [وعند الاتحادية إنما أمسكها لحلوله وسريانه بذاته فيها كما مر من حكاية مذهبهم].
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٣) [النحل : ٩٣] يحتج بها الجمهور كما سبق.
(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١) [النحل : ١٠١] يحتج بها على النسخ.
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٠٣) [النحل : ١٠٣] والإشارة إلى سلمان الفارسي ، كانت الكفار يقولون : إنه يعلم محمدا أخبار الفرس وقصص الأولين ، فأجيبوا بأن لسان الذي أشرتم إليه أعجمي ، ولسان القرآن عربي ؛ فكيف يكون تعليم البشر ، وقد أورد على هذا سؤال / [٢٥٨ / ل] : وهو أن يكون البشر المشار إليه يعلمه بلسانه وهو يلخصه بعبارته وفصاحته ، وحينئذ لا يقدح اختلاف اللسانين في تعليم البشر له؟
ويجاب عن هذا : بأن البشر المشار إليه إن كان هو سلمان ، فهو إنما أسلم بعد الهجرة بالمدينة بعد استقرار الإسلام وظهور المعجزات ، وذلك لا يقدح فيما ثبت ، ولو قدر أن سلمان كان يحكي له بعض أيام الفرس وقصصها على جهة التعريف بحالهم فلا يقدح في نبوة قد تقررت ، ومن أين لهم أنه كان ينقل ما يسمعه من سلمان قرآنا ، ولو كان ذلك