لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤))
(يَوْمَ يُنْفَخُ) الحياة (فِي الصُّورِ) الجسمانية ، بردّ الأرواح إلى الأجساد (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ) الملازمين للإجرام (زُرْقاً) عميا ، بيض سواد العيون ، أو شوها في غاية قبح المناظر ، يحسن عندها القردة والخنازير ، يسرون الكلام لشدّة الخوف أو عدم القدرة على النطق ، ويستقصرون مدة اللبث في الحياة الدنيوية لسرعة انقضائها وكل من كان أرجح عقلا منهم كان أشدّ استقصارا إياها.
[١٠٥ ـ ١٠٧] (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧))
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) أي : وجودات الأبدان (فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي) برياح الحوادث رميما ورفاتا ثم هباء منثورا ، فيسوّيها بالأرض لا بقية منها ولا أثر. أو حوادث الأشياء فقل : ينسفها ربّي برياح النفحات الإلهية الناشئة عن معدن الأحدية (فَيَذَرُها) في القيامة الكبرى (قاعاً صَفْصَفاً) وجودا أحديا صرفا (لا تَرى فِيها) اثنينية ولا غير ، فتقدح في استوائها.
[١٠٨ ـ ١١١] (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١))
(يَوْمَئِذٍ) يوم إذ قامت القيامة الكبرى (يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) الذي هو الحق ، لا حراك بهم ولا حياة لهم إلا به (لا عِوَجَ لَهُ) أي : لا انحراف عنه ولا زيغ عن سمته إذ هو آخذ بناصيتهم وهو على صراط مستقيم ، فهم يسيرون بسيرة الحق على مقتضى إرادته (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ) انخفضت كلها لأن الصوت صوته فحسب (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) خفيّا ، باعتبار الإضافة إلى المظاهر. أو يوم إذ قامت القيامة الصغرى يتبعون الداعي الذي هو إسرافيل مدبّر الفلك الرابع ، المفيض للحياة ، لا ينحرف عنه مدعوّ إلى خلاف ما اقتضته الحكمة الإلهية من التعلق به. وخشعت الأصوات في الدعاء إلى غير ما دعا إليه الرحمن فلا تسمع إلا همس الهواجس والتمنيات الفاسدة و (لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) أي : شفاعة من تولّاه وأحبّه في الحياة الدنيا ممن اقتدى به وتمسك بهدايته (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) باستعداد قبولها ، فإنّ فيض النفوس الكاملة التي تتوجه إليها النفوس الناقصة بالإرادة والرغبة موقوفة على استعدادها لقبوله بالصفاء وذلك هو الإذن (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) أي : رضي له تأثيرا يناسب المشفوع له ، فتتوقف الشفاعة على أمرين : قدرة الشفيع على التأثير ، وقوة المشفوع له للقبول والتأثر. وهو (يَعْلَمُ)