عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩))
(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) أي : هذه براءة إليهم إلا الذين بقيت فيهم مسكة الاستعداد وأثر سلامة الفطرة فلم يقدموا على نقض العهد لبقاء المروءة فيهم الدالة على سلامة الفطرة وبقائهم على عهد الله السابق بوجود الاستعداد وإمكان الرجوع إلى الوحدة. (وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً) لبقاء الوصلة الأصلية والمودّة الفطرية بينكم وبينهم وعدم ظهور العداوة الكسبية (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) أي : مدة تراكم الرين وتحقق الحجاب إن لم يرجعوا أو يتوبوا (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) الذين اجتنبوا الرذائل خصوصا نقض العهد الذي هو أمّ الرذائل ظاهرا وباطنا.
[٢٠] (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠))
(الَّذِينَ آمَنُوا) علما (وَهاجَرُوا) الرغائب الحسية والمواطن النفسية بالسلوك في سبيل الله وجاهدوا بأموال معلوماتهم ومراداتهم ومقدوراتهم بمحو صفاتهم في صفات الله (وَأَنْفُسِهِمْ) بإفنائها في ذات الله (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً) في التوحيد (عِنْدَ اللهِ).
[٢١ ـ ٢٢] (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢))
(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ) ثواب الأعمال (وَرِضْوانٍ) الصفات (وَجَنَّاتٍ) من الجنان الثلاثة (لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ) شهود الذات (مُقِيمٌ) ثابت أبدا.
[٢٣] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ) إلى آخره ، أي : لا يترجح فيكم جهة القرابة الصورية والوصلة الطبيعية على جهة القرابة المعنوية والوصلة الحقيقية فيكون بينكم وبين من آثر الاحتجاب على الكشف من أقربائكم ولاية مسببة عن الاتصال الصوري مع فقد الاتصال المعنوي واختلاف الوجهة الموجب للقطيعة المعنوية والعداوة الحقيقية ، فإن ذلك من ضعف الإيمان ووهن العزيمة ، بل قضية الإيمان بخلاف ذلك. قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا