إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير ابن عربي [ ج ١ ]

147/415
*

بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢))

(أَلَمْ تَرَ) أي : تعجب من (الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من علم التوحيد (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من علم المبدأ والمعاد (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) وهو ينافي ما ادّعوه إذ لو كان إيمانهم صحيحا لما أثبتوا غيرا حتى يكون له حكم ، فإنهم بحكم الإيمان الحقيقي مأمورون بالكفر بغيره ، ومن لم ينسلخ عن صفاته وأفعاله ولم تنطمس ذاته في الله تعالى فهو غيره ، ومن توجه إلى الغير فقد أطاع الشيطان ولا يريد الشيطان بهم إلا الضلال البعيد الذي هو الانحراف عن الحق بالشرك ، إذ الزيغ عن الدين هو الضلال المبين.

[٦٣ ـ ٦٤] (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤))

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) الآية ، الفرق بين الرسول والنبي هو : أن الرسالة ، باعتبار تبليغ الأحكام : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) (١) والنبوّة باعتبار الإخبار عن المعارف والحقائق التي تتعلق بتفاصيل الصفات والأفعال. فإنّ النبوّة ظاهر الولاية التي هي الاستغراق في عين الجمع والفناء في الذات ، فعلمها علم توحيد الذات ومحو الأفعال والصفات. فكل رسول نبيّ ، وكل نبيّ وليّ ، وليس كل وليّ نبيا ، ولا كلّ نبي مرسلا ، وإن كانت رتبة الولاية أشرف من النبوّة ، والنبوّة من الرسالة كما قيل :

مقام النبوّة في برزخ

دوين الوليّ وفوق الرسول

فلا يرسل الرسول إلا للطاعة ، إذ حكمه حكم الله باعتبار التبليغ فيجب أن يطاع ، ولا يطاع إلا بإذنه ، فإن من حجب عنه بقصور الاستعداد كالكافر الأصليّ والشقيّ الحقيقي ، أو بالرين ومحو الاستعداد كالمنافق ليس بمأذون له في الطاعة في الحقيقة. (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بمنعها عن حقوقها التي هي كمالاتها الثابتة فيها بالقوة ، وتكدير الاستعداد بالتوجه إلى طلب اللذّات الحسيّة والأغراض الفانية (جاؤُكَ) بالإرادة التي هي مقتضى استعدادهم (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) طلبوا من الله ستر صفات نفوسهم التي هي مصادر تلك الأفعال الحاجبة لما في استعدادهم بنور صفاته (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) بإمدادهم بنور صفاته التي هي صفات الله

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٦٧.