والذي ينبغي التنبيه عليه هو أن دعوى صدورها عن المفوِّضة وأنّهم وضعوا أخباراً على نحو الجزئية فيها هي دعوى مجملة ، إذ لا يستطيع أحد بالنظر البدوي الجزم بمقصود الشيخ الصدوق النهائي إلّا بعد بحث وتمحيص ، وهذا ما يدعو الباحث الموضوعي إلى الوقوف عندها ودراستها بروح علمية نزيهة ، بعيداً عن التقديس ، لكي يرى مدى تطابقها مع الواقع أو بعدها عنه ، وهذا ما نريد توضيحه ضمن النقاط الثلاث اللاحقة ، مع الإشارة إلى غيرها من البحوث الدخيلة في فهم المسألة .
مؤكّدين على أنّ المنهج المتَّبع عند فقهاء ومتكلِّمي مدرسة أهل البيت هو مناقشة الأقوال ، فلا يصان أحد عندهم إلّا المعصوم ، وليس لهم كتاب صحيح بالكامل إلّا كتاب الله المنزل على رسوله ، فهم يناقشون أقوال علمائهم واجتهاداتهم وإن كان قد وُلِدَ بعضُهُم ـ كشيخنا الصدوق رحمهالله ـ بدعاء الإمام الحجة عليهالسلام ، مع اعتقادهم الكامل فيه بأنّه الإمام الثقة ، والصدوق في القول والعمل ، والحامل إليهم علوم آل محمّد ، لكنّ هذا كلَّهُ لا يمنعهم من الدخول معه في نقاش علميّ منطقيّ رزين ، لأنّه رحمهالله لا يدّعي العصمة لنفسه كما أَنّا لا نقول بعصمته ، وبذلك يكون كلامه رحمهالله عرضةً للخطأ والصواب ، وهو كغيره من الفقهاء ، قد يعدل عمّا كان يقول به ويفتي بشيء آخر غير ما كان يذهب إليه .
وعليه فالشيخ رحمهالله لم يتّهم قائل الشهادة الثالثة بالتفويض بل قال : بأنّ المفوّضة وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان ، وبين الامرين فرق واضح .
وهذا الكلام من الشيخ الصدوق لا ينفي وجود نصوص صريحة عنده صدرت عن الإمام الباقر والصادق والكاظم عليهمالسلام دالّة على وجود معنى الولاية والإمامة في الأذان (١) لا على نحو الزيادة والجزئية ، بل على نحو التفسيرية كما جاء في تفسير معنى « حيّ على خير العمل » عن المعصومين ، إذ أراد الإمام الكاظم عليهالسلام حثّاً
__________________
(١) وهذا ما سنوضحه لاحقاً ضمن كلامنا عن الدليل الكنائي في الشهادة الثالثة : ١٥٩ .