ولا ريب في أنّ «من» ظاهرة في التبعيض ، وحيث إنّ التبعيض على قسمين : التبعيض بالنسبة إلى الأجزاء وبالنسبة إلى الأفراد ، والثاني لا يحتاج إلى عناية زائدة ، فإنّ الطبيعة تصدق على بعض أفرادها حقيقة ، والأوّل يحتاج إلى عناية ، وهو اعتبار أنّ الأجزاء على تغايرها وتباين كلّ منها مع الآخر شيء واحد ، لقيام المجموع بغرض واحد ، وكلمة «من» في الرواية في نفسها وإن كانت ظاهرة في هذا القسم من التبعيض إلّا أنّها حينئذ لا تنطبق على موردها ، فلا بدّ أن يقال : إنّها استعملت في التبعيض الأفرادي.
ولحاظ التبعيض الأجزائي أيضا في هذا الاستعمال بحيث يكون الاستعمال في الجامع بينهما يحتاج إلى مئونة لحاظ الأمور المتباينة والأجزاء المختلفة الحقيقة أمرا واحدا في هذا الاستعمال بخصوصه ، والأصل عدمه ، فإنّه مشكوك ، فلا يمكن الحكم باستعماله في الجامع بدون إحراز أنّه لوحظ ذلك. هذا ما يتراءى في بادئ النّظر.
لكنّ الّذي يقتضيه النّظر الدّقيق هو أنّ «من» زائدة ، والمعنى : «إذا أمرتكم بشيء فأتوه ما استطعتم» أو بمعنى الباء ، فيكون التقدير «فأتوا به ما استطعتم» ويحتمل أن يكون متن الرواية أيضا «فأتوا به» كما حكي ذلك عن المجلسي ـ قدسسره ـ في باب الصلاة من البحار (١).
وعلى كلّ تقدير تكون «ما» زمانيّة ، ويكون معنى الرواية على هذا مساوقا لقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(٢) فتصير أجنبيّة عن محلّ الكلام بالكلّيّة.
__________________
(١) ورد الحديث بلفظ «فأتوا منه» في البحار ٢٢ : ٣١ في تاريخ النبي صلىاللهعليهوآله ، ولم نعثر عليه في باب الصلاة.
(٢) البقرة : ٢٨٦.