حجّة كالشق الأوّل بعينه.
وادّعوا أنّ العقلاء لا يعتنون باحتمال وجود القرينة سواء كان منشأ الاحتمال هو الغفلة أو غيرها ، ولا فرق عندهم ـ في عدم الاعتناء ـ بينهما ليتمسّك في نفي تلك الاحتمالات بالأصل العقلائي فيحرز الظهور ، وتترتّب عليه الحجّيّة ، وليس فيهم من فصّل بين احتمال الغفلة وغيرها إلّا المحقّق القمّي قدسسره ، فذهب إلى الفرق بينهما ، وادّعى أنّ احتمال وجود القرينة إن كان منشؤه احتمال الغفلة ، فلا يعتني به العقلاء ، ويبنون على عدمها ، وأمّا إذا كان منشأ الاحتمال غير الغفلة ، فلا بناء لهم على عدمه ، وبذلك حكم بعدم حجّيّة الأخبار ـ كما ذكرنا ـ لأجل عروض التقطيع عليها المحتمل وجود القرينة لكلّ جملة منها في غيرها وقد قطعت وسقطت عنها ووقعت في غيرها ، فحيث إنّ هذا الاحتمال لا دافع له من العقلاء فلا يجوز العمل بظواهر الأخبار (١).
وما أفاده ـ قدسسره ـ من التفصيل في غاية المتانة والجودة ، لما نرى بالوجدان من عمل العقلاء بظواهر يحتمل وجود قرينة متّصلة على خلافها وقد سقطت عنها بالتقطيع ونحوه ، فلو أرسل كتاب إلى أحد وقطع في الطريق بعضه وسقط منه ووصل إليه البعض الآخر وكان في ذلك الواصل ظواهر يحتمل إرادة خلافها وكون القرينة على الخلاف في تلك القطعة الساقطة ، فلا يعمل ذلك الشخص بتلك الظواهر.
وكذلك الكلام لو تكلّم المولى مع عبده بكلام فينام العبد بعده واحتمل أنّ المولى تكلّم في حال نومه بقرينة على خلاف ذلك الكلام ولم يسمعه ، لا يعمل العبد بظاهره ، وهكذا في بقيّة الموارد التي يكون منشأ الاحتمال
__________________
(١) قوانين الأصول ١ : ٣٩٨ و ٤٥٠.