بدعوى أنّ النهي إذا تعلّق بشيء ذي أثر ، فلا بدّ أن يكون متعلّق النهي مقدورا للمكلّف ، فبعد النهي يقدر المكلّف على العبادة المترتّب عليها أثرها ، والمعاملة كذلك ، وهو معنى الصحّة.
ووافقهما صاحب الكفاية ـ قدسسره ـ في المعاملات إذا تعلّق النهي بالمسبّب أو التسبيب ، نظرا إلى أنّ العبادات لا تكون صحيحة إلّا أن تكون مقرّبة ، ومع النهي وإن كان المكلّف قادرا على إتيان ما يكون ذاتيّا منها وهكذا غيرها ، أي ما لو أمر بها لكانت قربيّة ، لكنّها لا تكون إلّا مبعّدة ، فلا يمكن القول بالصحّة فيهما ، وأمّا لو تعلّق النهي بما كان مأمورا به منها ، فلا يقدر المكلّف إلّا على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي ولو بعنوان واحد ، وهو محال (١).
أقول : قد مرّ غير مرّة أنّ نسبة الملكيّة ـ مثلا ـ إلى العقد الصادر من المكلّف نسبة الحكم إلى موضوعه ، ولا سببيّة ولا مسبّبيّة في البين أصلا ، وإنّما يكون إطلاق السبب على العقد والمسبّب على الملكيّة بالتسامح والعناية لا بالحقيقة ، وتقدّم أيضا أنّ الملكيّة من الأمور الاعتباريّة التي هي زمام وجودها بيد المعتبر ، فإذا اعتبرها معتبر في النّفس ، تتحقّق في عالم الاعتبار لا في عالم العين.
فعلى هذا لو كان المراد بتعلّق النهي بالمسبّب أو تعلّقه بالتسبّب بسبب ـ الّذي قلنا : إنّه راجع إلى النهي عن المسبّب الخاصّ حقيقة ـ تعلّق النهي بالملكيّة الشرعيّة التي هي بيد الشارع وفعل له ، فهو غير معقول ، إذ لا معنى لنهي المكلّف عن اعتبار الشارع ملكيّة المصحف للكافر ـ مثلا ـ ويقول : «يحرم عليك أن يعتبر الشارع ملكيّة المصحف للكافر» فإنّه فعل الشارع لا فعل
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٢٨.