سببها كذا ، وحيث إنّهم التزموا بأنّها أسام للمسبّبات دون الأسباب صاروا بصدد الجواب عن هذا الإشكال ، فأجابوا بأنّ مثل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(٢) وإن لا يكون دليلا لإمضاء الأسباب العرفية إلّا أنّه يكفي لذلك قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٣) ، فإنّ العقود ظاهرة في الأسباب لا المسبّبات ، وبما أنّه معنى عرفيّ ليس من مخترعات الشارع فهو أيضا كأحد العرف يستعمله فيما يستعمله العرف ، فظاهر هذا الكلام أنّ كلّ ما كان عقدا عرفا وسببا لإيجاد معاملة من المعاملات عند العرف فهو سبب شرعا ، فقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بوحدته واف لإمضاء جميع الأسباب العرفيّة.
وشيخنا الأستاذ (٤) ـ قدسسره ـ أورد على هذا الجواب : بأنّ العقود في نفسها وإن كانت ظاهرة في الأسباب ، إلّا أنّ مادّة الوفاء قرينة على أنّ المراد منه في الآية هي المسبّبات ، لأنّ الوفاء في لغة العرب بمعنى الإنهاء والإتمام ، ومنه الدرهم الوافي ، ومن المعلوم أنّ السبب غير قابل لإتمامه وإنهائه ، فإنّه لفظ أو فعل يوجد وينعدم ، وإنّما القابل للإتمام هو التزام البائع بأنّ هذا المال ل «زيد» مثلا ، فإنّه يمكن أن يرفع اليد عن التزامه ، ويمكن أن يبقيه إلى
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.
(٢) النساء : ٢٩.
(٣) المائدة : ١.
(٤) أجود التقريرات ١ : ٤٨ ـ ٤٩.