وكل ذلك إذا اقترن به دليل يوجب العمل به.
وكل موضع يمكن أن يقوم عليه دليل ويعلم صحته من فساده ، فلا يجوز أن يعمل فيه على الظن ، لأنه بمنزلة من ترك العلم وعمل على ظن غيره.
وقوله (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) معناه : أنه لا يقوم مقام العلم مع وجوده أو إمكان وجوده.
وانما تعبد الله في الشرع في مواضع بالرجوع الى الظن مع أنه كان يمكنه أن ينصب عليه دليلا يوجب العلم ، لما في ذلك من المصلحة.
فصل : قوله (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) الاية : ٤٠.
انما جاز أن يقول «أعلم» وان لم يكن هناك كثرة علوم لاحد أمرين :
أحدهما : أن الذات تغني عن كل علم.
والثاني : أنه يراد به كثرة المعلوم.
فصل : قوله (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) الاية : ٤٤.
وفي الاية دلالة على أنه لا يفعل الظلم ، لان فاعل الظلم ظالم ، كما أن فاعل الكسب كاسب ، وليس لهم أن يقولوا : يفعل الظلم ولا يكون ظالما به ، كما يفعل العلم ولا يكون به عالما.
وذلك أن معنى قولنا «ظالم» أنه فعل الظلم ، كقولنا ضارب أنه يفيد أنه فعل الضرب ، ولذلك يكون ظالما بما يفعله من الظلم في غيره. ولا يكون عالما بما يفعل في غيره من العلم ، وليس كذلك الظلم ، فبان الفرق بينهما.
فصل : قوله (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الاية : ٥٥.
السماوات سقف الأرض وهي طبقات ، كما قال (سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) (١) وجمعت السماوات ووحدت الأرض في جميع القرآن ، لان طبقاتها السبع خفية
__________________
(١). سورة نوح : ١٥.