بَينَ أصْحابِكَ وَدَعِ الشّاذَّ النادِرَ ، فإنّ المُجْمع عَلَيه لا رَيبَ فِيه» (١).
بل ويستفاد من تاريخ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أنّه كان يحترم رأي الأكثرية من المسلمين في موارد المشاورة ، بالرغم من كونه صلىاللهعليهوآله يمثل العقل الكلي.
ويتضح ذلك في معركة أُحُد عندما شاور المسلمين بخصوص مسألة البقاء داخل المدينة أو الخروج منها وخوض الحرب خارجها ، فلما رأى إجماع أكثرية المسلمين على تأييد النظرية الثانية ، قبلها وعمل بها ، حتى إنّه صلىاللهعليهوآله لم يعتن برأيه الشخصي المؤيد للأقلية. فأعطى بذلك أكبر درسٍ في تاريخ الإسلام بشأن مسألة الشورى (٢). وكما هو معلوم لدينا أنّ نتيجة هذا الأمر لم تكن إيجابية تماماً ، ولكن بالرغم من ذلك فإنّ فوائد احترام الشورى كانت أكثر بكثير من الخسائر الفادحة لمعركة أُحُد! (فتأمل).
وحصل ما يشبه هذا الأمر أيضاً في معركة «الخندق» ، فقد جاء في (مغازي الواقدي) أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله كان يشاور أصحابه كثيراً في المسائل والامور العسكرية والحربية ، ومن ذلك أنّه قال صلىاللهعليهوآله لأصحابه قبل وقوع معركة الخندق : هل نغادر المدينة ونقاتل جيش المشركين ، أم نبقى في المدينة ونحفر خندقاً حول المدينة ، أم نكون على مقربةٍ من المدينة ونجعل الجبل خلفنا؟! وعندها اختلف أصحاب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله حول هذه المسألة ... فرأى جمعٌ من أصحابه أن يخرج النبي صلىاللهعليهوآله خارج المدينة ، ولكن سلمان قال : كنّا إذا داهمنا فرسان العدو وخشيناهم ، نحفر الخندق حول المدينة ، فهل تجيزنا يا رسول الله أن نحفر خندقاً حول المدينة؟ فنالت وجهة نظر سلمان قبول (أكثر) المسلمين (ورجّحوا حفر الخندق وقبل الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بهذا الرأي) (٣).
ونكرر القول مرّة أخرى ، أنّه في عملية الشورى ، عندما تتعرض مجموعة ما للقيام بمسألة الشورى ـ وخاصة في المسائل الاجتماعية المهمّة ـ فقلّما يحصل الإجماع على رأي واحد ، ولو أهملت الأكثرية ولم يؤخذ بها ، لن ينجز أيّ عمل على الاطلاق.
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ج ٨ ، ص ٧٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ١ ،
(٢) سيرة ابن هشام ، ج ٣ ، ص ٦٦.
(٣) مغازي الواقدي ، ج ١ ، ص ٤٤٤ (مع التلخيص).