العلوم الإسلاميّة لإبلاغها إلى الآخرين بعنوان الواجب الكفائي ، مضافاً إلى أنّهم يوجبون التّعلُّمَ على الجميع وجوباً عينياً.
وفي عالم اليوم ، يعتبر طلب العلم في كثير من الدّول إلزامياً ، فيجب على كلّ طفل أنْ يتعلم وإلّا استدعي وليّه من قبل الجهات المسؤولة ، ولكن التّعليم ليس إلزامياً في أي مكان من العالم ، بل الناس مخيرون بين انتخاب التعليم وعدمِه.
وأمّا في الإسلام ، فإنّه كما يعتبر تحصيل العلم واجباً ، فكذلك تعليم الآخرين فإن فيه جنبة الإلزام والوجوب ، وأحد الأدلة على ذلك هو نفس آية النّفر هذه ، فإنّها من جهة توجب تحصيل العلم بجملة (فَلَولَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طائِفَةٌ) (١).
ومن جهة أخرى فإنّها توجب التّعليم ، بجملة (وَليُنْذِرُوا قَومَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) ، ولا شك في أنّ كلّ ذلك مقدّمة للقيام بالتّكاليف الإلهيّة ، والذي تخلّصَ في جملة : (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
ولهذا ، فإنّ بعض علماء الإسلام ، كان أحياناً يطوي المسافات البعيدة لأيّام عديدة وينتقل من بلدٍ إلى آخر لتعلّم حديثٍ واحد! ، ومن جملة هؤلاء ـ كما ذكر التاريخ ـ «جابر» الذي سافر من «المدينة» إلى «مصر» ليسمع حديثاً واحداً من أحد العلماء الذي كان يروي ذلك الحديث ، ولذا قيل إنّ أحداً لا يصل إلى مرحلة الكمال إلّابالسفر (والإلتقاء بعلماء البلاد المختلفة والاستفادة من علومهم وتجاربهم) ، وإنّ أحداً لا يصل إلى مقصوده إلّا بالهجرة (٢).
ونقرأ في قصة الخضر وموسى عليهالسلام والتي وردت الإشارة إليها في سورة الكهف كيف أنّ هذا النّبيّ الكبير (موسى) ، كان قد طوى طريقاً طويلاً وشاقاً حتى وصل إلى هذا العبد الصّالح (الخضر) وتعلم شيئاً من علومه.
* * *
__________________
(١) طبقاً لأقوال علماء الأدب فإن «لولا» تحضيضية ، وهي في مقام اللَوم والتّقريع ومن الواضح فإن التقريع إنّما يكون على ترك الواجب أو فعل الحرام.
(٢) تفسير روح البيان ، ج ٣ ، ص ٥٣٧.