تعالى : (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الُمخْلَصِينَ). (يوسف / ٢٤)
هذا التعبير يبيّن أنّ من يكون «مخلصاً» يتخلّص من ثورة هوى النفس وطغيانه ، والوساوس الشيطانية ببركة الإمدادات الغيبية ، وجملة (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الُمخْلَصِينَ) هي من قبيل القياس منصوص العلّة ، الذي يضفي العمومية على مفهوم الآية.
مفهوم عصمة الأنبياء في ظلّ الإخلاص يتّضح من خلال مقاومة يوسف عليهالسلام ، مع كونه شاباً أعزباً ، وصموده أمام أمواج الخطيئة المتلاطمة التي أحاطت بزورق وجوده من كلّ حدبٍ وصوب ، وفي ظروف حسّاسة تفوق المتعارف أمام الوساوس الكثيرة ، التي أثارتها تلك المرأة الجذّابة ، ولذا نجد أنّ لأقطاب المفسّرين عبارات تشير إلى مقام عصمة الأنبياء في ذيل الآيات المذكورة (١).
وفي الآية التاسعة خوطب نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله ضمن الحديث عن الأنبياء السابقين ، كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى ، وفريق آخر من الأنبياء الكبار بقوله تعالى : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (٢).
الملفت للنظر أنّها تأمر النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بالإقتداء بهدايتهم بلا قيد أو شرط! ، فهل يعقل عدم حصول اولئك الأنبياء عليهمالسلام على مقام العصمة ثمّ يؤمر نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله بالإقتداء بهم بلا قيد أو شرط؟
وبعبارة اخرى : في الآية أعلاه تمّ التأكيد أوّلاً على الهداية الإلهيّة لهم ، ثمّ تمّ التفريع على ذلك بالقول : الآن وبعد أن شملتهم الهداية الإلهيّة اقتد بهداهم (تأمّل جيّداً).
ومن المسلّم أنّ المراد ، بالهداية الإلهيّة هنا ليس رسم الطريق فحسب ، لعدم اختصاصه بالأنبياء فقط بل لشموله لكلّ الناس حتّى الكفّار ، وعليه فالهداية المذكورة هي نفس معنى الإيصال إلى المطلوب (وبلوغ المقصود) بعيداً عن أي خطأ وانحراف واشتباه ومعصية.
__________________
(١) راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ؛ تفسير جامع البيان للشيخ الطوسي ؛ وتفسير الميزان للعلّامة الطباطبائي ؛ تفسير روح البيان للقرطبي ؛ وتفسير في ظلال القرآن لسيّد قطب في ذيل الآيات مورد البحث.
(٢) يجب ألّا يفوتنا أنّ «الهاء» في لفظة «اقتده» ليست ضميراً بل هاء السكتة التي تلحق الكلام عند الوقوف على الحرف المتحرّك.