وبناءً على هذا فالدافع لـ «وضع» هذه الرواية المزورة سيكون هو السبب في بقائها أيضاً ، وبعبارة اخرى هناك محاولة من قبل أعداء الإسلام كانت قد بدأت في السابق ، ثمّ واصلت مسيرها بعد الف سنة أو أكثر مدعومة من قبل طائفة أخرى وبصورة مكثفة.
ومن هنا فلا حاجة لنقل التبريرات التي اثيرت بشأن هذا الحديث كالتي وردت في تفسير «روح المعاني» بشكل موسّع ، أو في تفاسير أخرى بشكل مركّز.
وكما أكد كبار علماء الإسلام فان الحديث الذي يكون أساسه خاوياً فإنّه لا يستحق أن يعطى اهمية في تفسيره أو تسليط الأضواء عليه.
لكن هناك بعض الملاحظات ينبغي ذكرها لتوضيح المطلب ليس إلّاوهي :
١ ـ الصراع المرير لنبي الإسلام صلىاللهعليهوآله ورفض المساومة مع عبدة الأصنام والأوثان عند بدء الدعوة وإلى آخر عمره ، وهو أمر لا يخفى على أحد من الأعداء والأصدقاء ، وأهمّ شيء لم يساوم عليه أبداً ولم يتصالح أو يزيغ عنه هو هذا الموضوع ، فكيف يمكن والحالة هذه أن يمدح أصنام المشركين بهذه الأوصاف ويذكرها بخير؟
وقد أكدت التعاليم الإسلامية أنّ الذنب الوحيد الذي لم يغفر أبداً هو الشرك وعبادة الأوثان ، ولذا اعتبر مسألة ضرب أماكن عبادة الأصنام واجبة على كلّ مكلّف مهما كلفه الأمر ، كما أنّ القرآن من ألفه إلى يائه شاهد على ذلك ويشكل بنفسه قرينة واضحة على وضع حديث الغرانيق الذي ذكر فيه تمجيد ومدح الأوثان والوثنية.
٢ ـ فضلاً عن أنّ الذين وضعوا اسطورة الغرانيق لم يلتفتوا إلى هذا الموضوع وهو أنّ مروراً بسيطاً على آيات سورة النجم يبطل هذه الخرافة ، ويثبت عدم وجود الإنسجام بين مدح وتمجيد الأوثان في جملة «تلك الغرانيق العلى ، وأنّ شفاعتهنّ لترتجى» وبين الآيات التي تحفّ بها ، إذ قد صرّح في بداية نفس هذه السورة بأنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله لم ينطق عن هوى النفس أبداً وأنّ كلّ ما يقوله بالنسبة لعقائد وقوانين الإسلام إنّما هو من الوحي الإلهي (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى). (النجم / ٣ ـ ٤)
وتصرّح الآيات بأنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله لم ينحرف أبداً عن طريق الحقّ «مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى».