ذكروا عن الحسن أنّ أيّوب لم يبلغه شيء يقوله الناس كان أشدّ عليه من قولهم : لو كان نبيّا ما ابتلي بمثل ما ابتلي به. فدعا الله فقال : اللهمّ إنّك تعلم أنّي لم أعمل حسنة في العلانية إلّا عملت في السرّ مثلها ، فاكشف عنّي ما بي من ضرّ فأنت أرحم الراحمين. فاستجاب الله له فوقع ساجدا. وأمطر عليه جراد من ذهب (١) فجعل يلتقطه ويجمعه ، فأوحى الله إليه : يا أيّوب ، أما تشبع؟ قال : ومن يشبع من رحمتك [يا ربّ] (٢).
وقال الحسن : إنّ الله يحتجّ على الناس يوم القيامة بثلاثة من الأنبياء ؛ فيجيء العبد فيقول : أعطيتني جمالا في الدنيا فأعجبت به ، ولو لا ذلك لعملت بطاعتك ، فيقول الله له : الجمال الذي أعطيتك في الدنيا أفضل أم الجمال الذي أعطي يوسف؟ فيقول : بل الجمال الذي أعطي يوسف ، فيقول : إنّ يوسف كان يعمل بطاعتي ، فيحتجّ عليه بذلك. فيجيء العبد ويقول : يا ربّ ، ابتليتني في الدنيا ، ولو لا ذلك لعملت بطاعتك. فيقول الله له : البلاء الذي ابتليت به في الدنيا أشدّ أم البلاء الذي ابتلي به أيّوب؟ فيقول : بل الذي ابتلى به أيّوب. فيقول : كان أيّوب يعمل بطاعتي ، فيحتجّ عليه بذلك. ويجيء العبد فيقول : أعطيتني ملكا فأعجبت به ، ولو لا ذلك لعملت بطاعتك. فيقول : الملك الذي أعطيتك في الدنيا أفضل أم الملك الذي أعطي سليمان؟ فيقول : الملك الذي أعطي سليمان. فيقول : كان سليمان يعمل بطاعتي ، فيحتجّ عليه بذلك.
قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٤٣) : وهم المؤمنون.
قوله : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ).
قال الحسن : إنّ امرأة أيّوب كانت قاربت (٣) الشيطان في بعض الأمر ، ودعت أيّوب إلى مقاربته. وقال بعضهم : في قول الشيطان لأيّوب : اذبح لي سخلة ، فوعدته أن تكلّم أيّوب في ذلك فأعلمته. فحلف أيّوب بالله لئن عافاه الله أن يجلدها مائة جلدة ، ولم تكن له نية بأيّ شيء يجلدها.
__________________
(١) في ع ، وردت العبارة هكذا : «ومطر عليه فراش الذهب» ، وفي العبارة فساد أثبتّ تصحيحه من بعض كتب التفسير. انظر الألوسي ، روح المعاني ، ج ٨ ص ٢٠٧.
(٢) زيادة لتستقيم العبارة.
(٣) في ع بياض قدر كلمة فأثبتّها من ز : «قاربت» وكأنّها مالت إلى ما طلبه خوفا على أيّوب.