قال : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ) : أي بدراهمكم هذه (إِلَى الْمَدِينَةِ) : وكانت معهم دراهم (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) : قال بعضهم : أحلّ طعاما ، وقد كان من طعام قومهم ما لا يستحلّون أكله قطّ (١). وقال بعضهم : (أزكى) أي : أطيب (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَ) : أي لا يعلمنّ (بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) : أي يطّلعوا عليكم (يَرْجُمُوكُمْ) : أي يقتلوكم بالحجارة (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) : أي في الكفر (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) (٢٠) : أي إن فعلتم ذلك.
قال : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) : أي أطلعنا عليهم ، أي : على أصحاب الكهف ، أي : أطلعنا أهل ذلك الزمان الذي أحياهم الله فيه ، وليس بحياة النشور. قال : (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ).
وكانت تلك الأمّة الذين هربوا منهم قد بادت ، وخلفت من بعدهم أمّة أخرى ، وكانوا على الإسلام. ثمّ إنّهم اختلفوا في البعث ؛ فقال بعضهم : يبعث الناس في أجسادهم ، وهؤلاء المؤمنون ، وكان الملك منهم ، وقال بعضهم : تبعث الأرواح بغير أجساد ، فكفروا. وهذا قول أهل الكتاب اليوم ؛ فاختلفوا. فبعث الله أصحاب الكهف آية ليعلمهم أنّ الناس يبعثون في أجسادهم ، وقال في آية أخرى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) [النبأ : ٣٨] أي : روح كلّ شيء في جسده ، وهو قوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦) [المطفّفين : ٦].
فلمّا بعث أصحاب الكهف صاحبهم بالدراهم ليشتري بها طعاما ، وهم يرون أنّها تلك الأمّة المشركة الذين فرّوا منهم ، أمروا صاحبهم أن يتلطّف ولا يشعرن بهم أحدا.
فلمّا دخل المدينة ، وهي مدينة بالروم يقال لها فسوس (٢) ، وكان ملكهم يقال له :
__________________
(١) وقال الفرّاء : «يقال : أحلّ ذبيحة ، لأنّهم كانوا مجوسا».
(٢) كذا في المخطوطات : «فسوس» ، وفي سع ورقة ١٦ ظ. وقيل هي : «أبسس» بفتح الهمزة وسكون الموحّدة وضمّ السين بعدها سين أخرى مهملة ، وكان بلدا من ثغور طرسوس بين حلب وبلاد أرمينية وأنطاكية. انظر : ابن عاشور ، التحرير والتنوير ، ج ١٥ ص ٢٦١. أمّا ياقوت الحمويّ فإنّه لم يجزم في الأمر ، فقد أورد في ج ١ ص ٢٣١ من معجم البلدان كلمة «أفسوس» قال : «بضمّ الهمزة وسكون الفاء والسينان مهملتان ، ـ