وقال الحسن : فضّل الله بني آدم على البهائم والسباع والهوامّ. وقال بعضهم : (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) هو جميع ما رزق بني آدم من الخبز واللحم والعسل والسمن وغيره من طيّبات الطعام والشراب فجعل رزقهم أفضل من رزق الدوابّ والطير (١).
قوله : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) : أي بكتابهم ، أي : ما نسخت عليهم الملائكة من أعمالهم. وقال بعضهم : (بإمامهم) أي : بنبيّهم قال : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) : وقد فسّرناه قبل هذا الموضع (٢) (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (٧١) : وقد فسّرناه في سورة النساء (٣).
قوله : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٧٢) : قال بعضهم : من كان في هذه الدنيا أعمى ، أي : عمّا عاين فيها من نعم الله وخلقه وعجائبه فيعلم أنّ له معادا وأشباه هذا ممّا جعله الله تبصرة للعباد فيعلمون أنّ البعث حقّ ، فهو فيما يغيب عنه من أمر الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا ، أي : وأضلّ طريقا. وقال الحسن : من كان في هذه الدنيا أعمى ، وهو الكافر عمي عن الهدى ، فهو في الآخرة أعمى في الحجّة ، أي : ليست له حجّة. كقوله : (لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى) [طه : ١٢٥].
قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) : أي : ليضلّونك. وقال بعضهم : ليصدّونك (عَنِ
__________________
ـ ليس إناء أطيب من اليد».
(١) تكريم الله لبي آدم وتفضيله إيّاهم أعمّ وأكثر من أن يحصرا في وجه من الوجوه ، أو أن يخصّ بهما طيّبات الرزق من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومركب أو من خلق الإنسان في أحسن تقويم. فحذف المعمول يؤذن بالعموم. ثمّ إنّ نعمه علينا لا تعدّ ولا تحصى ، وآلاؤه على العالمين أجلّ وأعظم من أن يحيط بها علم ، أو يفي بحقّها وصف. وإنّ فيما حقّقه العلم الحديث من معجزات ، وما وفّرته المدنيّة من وسائل الرفاهيّة ولين العيش لأكبر شاهد على إعجاز هذه الآية وتناولها لكلّ معاني التكريم والتفضيل. فلا وجه لتخصيص بعض المفسّرين لبعض منها دون بعض. فاللهمّ وفّقنا إلى شكرك على ما أوليته إيّانا من نعم ، وعلى ما غمرتنا به من إحسان ومن مظاهر التكريم والتفضيل ، يا منّان يا كريم ، يا وهّاب. المحقّق.
(٢) انظر ما مضى قريبا في هذا الجزء تفسير الآية ١٤ من هذه السورة.
(٣) انظر ما مضى في هذا التفسير ، ج ١ ، تفسير الآية ٤٩ من سورة النساء.