قوله : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) : أي فتخونوا الله ولا تكملوا فرائضه (١). (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) : أي تزلّ إلى الكفر والنفاق بعد ما كانت على الإيمان ، فتزلّ إلى النار (وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٩٤) : وإذا عظّم الله شيئا فهو عظيم. والسوء عذاب الدنيا ، وهو القتل بالسيف. يقول : إن أنتم نافقتم فباينتم بنفاقكم قتلتم في الدنيا (٢) ولكم في الآخرة عذاب عظيم.
قوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) : أي من الدنيا. ذكروا أنّه قدم وفد من كندة وحضر موت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبايعوه على الإسلام ولم يهاجروا ، وأقرّوا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. ثمّ إنّ رجلا من حضر موت قام فتعلّق برجل من كندة يقال له امرأ القيس (٣) ، فقال : يا رسول الله ، إنّ هذا جاورني في أرض لي ، فقطع طائفة منها فأدخلها في أرضه. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل لك بيّنة على ما تزعم؟ فقال : القوم كلّهم يعلمون أنّي صادق وأنّه كاذب ، ولكنّه أكرم عندهم منّي. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا امرأ القيس ، ما يقول هذا؟ قال : ما يقول إلّا الباطل. قال : فقم فاحلف بالله الذي لا إله إلّا هو ما له قبلك من شيء ممّا يقول ، وإنّه لكاذب فيما يقول. قال : نعم. قال الحضرميّ ، إنا لله ، أتجعلها يا رسول الله إليه ، إنّه رجل فاجر لا يبالي بما حلف عليه. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّه من اقتطع مال رجل مسلم بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه ساخط. فقام امرؤ القيس ليحلف ، فنزلت هاتان الآيتان : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي : عرضا من الدنيا يسيرا (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٩٥). قال : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٦).
__________________
(١) كذا في المخطوطات الأربع ق وع ود وج ، وهذا ممّا غيّره الشيخ هود ولا شكّ ، وجاء في سع مكان هذه الجملة : «تفسير الحسن : أن تسرّوا الشرك فترتدّوا عن الإسلام».
(٢) كذا في المخطوطات الأربع ، وجاء في سع مكان هذا التفسير الذي هو للشيخ هود : «يقول إن ارتددتم عن الإسلام قتلتم في الدنيا».
(٣) هو امرؤ القيس بن عابس الشاعر ، انظر ترجمته مختصرة في الاستيعاب لابن عبد البر ، ج ١ ، وفيها إشارة إلى هذه القصّة. أمّا خصمه فهو ربيعة بن عبدان أو ابن عمران الحضرمي ، وقيل : ربيعة بن لهيعة أو لهاعة.