الموتى ـ كما زعمت ـ لقومه ، ولست بأهون على الله منه إن كنت رسوله. قال : ((لا أستطيع ذلك)) ، فأنزل الله : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) يقول : لو أنّا فعلنا ذلك بقرآن غير قرآنك فعلنا بالقرآن الذي أنزلناه إليك.
وقال الحسن : قالوا إنّ أرضنا أرض ضيّقة ، فادع لنا ربّك بقرآنك هذا حتّى تسير عنّا جبال تهامة حتّى نزرع فيها ، وتفجّر لنا أنهارا وعيونا فإنّا أصحاب آبار ، وأحي لنا أمواتنا حتّى يشهدوا أنّك رسول الله فنؤمن بك. وهو قوله : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ ...) إلى آخر الآيات. [الإسراء : ٩٠ ـ ٩٣] فقال الله : لو أنّ بلاغة قرآن بلغت عند الله ما يسيّر به الجبال أو يفجّر به الأنهار أو يحيي الموتى لبلغت بلاغة هذا القرآن بمنزلته وكرامته عند الله.
قال الله : (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً)؟.
وقال مجاهد : سألت قريش النبيّ عليهالسلام أن يفسح لهم جبال مكّة ، ويقطع لهم الأرض بينهم وبين الشام ، ويحيي لهم موتاهم ، فقال الله لمحمّد : لو فعلنا هذا بنبيّ قبلك فعلناه بك. وذكر بعضهم قال : ذكر لنا أنّ قريشا قالت لنبيّ الله : إن سرّك أن نتّبعك فسيّر لنا جبال تهامة ، وزد لنا في حرمنا حتّى نتّخذ قطائع نحترث فيها ، وأحي لنا فلانا وفلانا ، لأناس ماتوا في الجاهليّة ، فأنزل الله هذه الآية. يقول : لو فعلنا هذا بقرآن غير قرآنكم فعلناه بقرآنكم.
قوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً :) وهو على الاستفهام ، أي : قد تبيّن للذين آمنوا. وقال في آية أخرى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [سورة يونس : ٩٩]. قال بعضهم : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) يقول : ألم يعرف الذين آمنوا ويتبيّن لهم (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) (١).
__________________
(١) هذا المعنى أورده أبو عبيدة في مجاز القرآن ، ج ١ ص ٣٣٢ حيث قال : «(أفلم يايئس)؟ مجازه : ألم يعلم ويتبيّن. قال سحيم بن وئيل اليربوعي : ـ