فابعث بعث أهل النار. قال : يا ربّ ، وما بعث أهل النار؟ قال من كلّ ألف تسعمائة وتسع وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنّة) ، فلمّا سمعوا ما قال نبيّهم أبلسوا حتّى ما يجلى أحدهم عن واضحة (١). فلمّا رأى ما بهم ، قال : ((أبشروا ، فما أنتم في الناس إلّا كالرقمة في ذراع الدابّة ، أو كالشامة في جنب البعير. وإنّكم لمع الخليقتين ما كانتا مع شيء قطّ إلّا كثّرتاه : ياجوج وماجوج ومن هلك من بني إبليس ، فتكمل العدّة من المنافقين)) (٢).
قوله : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) (٤١) : وقد فسّرناه في الآيات الأولى.
قوله : (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) : أي اذكر أمري عند سيّدك ، أي : الملك.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : (لا يقولنّ أحدكم عبدي ولا أمتي ، وليقل فتاي وفتاتي ، ولا يقولنّ المملوك لسيّده ربّي وربّتي ، وليقل : سيّدي وسيّدتي ؛ كلّكم عبيد ، والله هو الربّ) (٣).
قوله : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) : ذكر أنّ يوسف قال للساقي حين عبّر له رؤياه : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ، وذلك بعد ما لبث في السجن خمس سنين يتضرّع إلى الله بالليل والنهار ويدعوه ، فأنساه الشيطان ذكر ربّه ، يعني يوسف. ورغب يوسف إلى الساقي أن
__________________
(١) الواضحة : السّن التي تبدو عند الضحك ، ومعناه : أنّهم سكنوا من الخوف والحيرة والذهول حتّى ما يقدر أحدهم أن يبتسم أو يضحك. وفي أساس البلاغة للزمخشريّ : «لا ترك الله له واضحة : سنّا تضح عند الضحك». وانظر صحاح الجوهري (وضح).
(٢) حديث متّفق عليه ، انظر تخريجه فيما سلف ، ج ١ ص ٤٢٤.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الأدب ، باب حكم إطلاق لفظ العبد والأمة والمولى والسيّد (رقم ٢٢٤٩). وأخرجه البخاريّ في الأدب المفرد ، وأخرجه أبو داود فى كتاب الأدب ، باب لا يقول المملوك ربّي وربّتي. كلّهم يرويه من حديث أبي هريرة.