أمّا الشّبهة الحكميّة ، فقد فصّل الشّيخ الأنصاري قدسسره (١) بين ما إذا كان الشّكّ في صحّة العبادة ناشئا عن الشّكّ في طروّ المانع ، فقال : بعدم جريان الاستصحاب فيه ، وبين ما إذا كان الشّكّ في صحّتها ناشئا عن الشّكّ في طروّ القاطع ، فقال : بجريانه فيه.
وفيه : أوّلا : أنّه لا فرق بين المانع والقاطع ، بل القاطع هو نفس المانع ، توضيح ذلك ، أنّ ما يعتبر في الصّلاة إمّا وجوديّ ، كالنّيّة والتّكبير والقراءة ونحوها ، أو عدميّ ، كعدم الحدث والقهقهة ونحوهما ، ويعبّر عن هذا الأمر العدميّ بالمانع ، ولا ثالث في البين حتّى يسمّى بالقاطع.
نعم ، ما يعتبر عدمه في الصّلاة على قسمين : أحدهما : أن يعتبر عدمه فيها مطلقا حتّى لو حدث في الأكوان المتخلّلة بين الأجزاء كان مانعا مبطلا ، أيضا ؛ ثانيهما : أن يعتبر عدمه فيها حال الاشتغال بالأجزاء فقط لا مطلقا ، فيسمّون القسم الأوّل قاطعا ، والقسم الثّاني مانعا ، وهذا مجرّد اصطلاح وتسمية ، لا تأثير له في جريان الاستصحاب وعدمه.
وثانيا : أنّه لو سلّم الفرق بين المانع والقاطع بأنّه موجب لانتقاض الهيئة الاتّصالية المعتبرة في الواجب دون المانع ، فنقول : لا مناص من الالتزام بأنّه يعتبر عدم ما سمّي بالقاطع في الصّلاة ؛ إذ الالتزام بأنّ عدمه غير معتبر فيها مساوق للالتزام بعدم اعتبار هيئة الاتّصال فيها ، وهذا كما ترى ، وعليه ، فالقاطع يكون ذا جهتين ، فمن جهة أنّ وجوده ناقض يسمّى بالقاطع ، ومن جهة أنّه يعتبر عدمه في الصّلاة يسمّى بالمانع ، وعليه ، فقول الشّيخ الأنصاري قدسسره بجريان الاستصحاب فيه بنحو مطلق غير تامّ ؛ إذ
__________________
(١) راجع ، فرائد الاصول : ج ٣ ، ص ٢٥٦ و ٢٥٧.