وصول الحكم الواقعيّ إلى المكلّف بالعلم الإجماليّ وتنجّزه عليه ؛ ضرورة ، أنّ التّردّد والإجمال إنّما هو في متعلّق التّكليف ، لا في نفسه ، فالتّرخيص القطعيّ والاحتماليّ على خلافه بجعل الحكم الظّاهريّ ممتنع. (١)
وفيه : أنّ العلم الإجماليّ ليس أحسن حالا من العلم التّفصيليّ ، فإذا كان اكتفاء الشّارع بالامتثال الاحتماليّ مع العلم التّفصيليّ بالتّكليف جائزا ـ نظير موارد قاعدتي الفراغ والتّجاوز ونحوهما ـ لكان اكتفاءه به مع العلم الإجماليّ بالتّكليف جائزا ، أيضا. هذا كلّه في المقام الثّالث.
المقام الرّابع : (شمول دليل الحكم الظّاهريّ ، وكذا الاصول إثباتا لجميع الأطراف وعدم شموله) فقد عرفت سابقا حال الأمارات وتعارضها وتساقطها لما فيها من المداليل الالتزاميّة وحجّيّة لوازمها ومثبتاتها.
وأمّا الاصول ، فقد ذهب الشّيخ الأنصاري قدسسره إلى عدم الشّمول ، بدعوى لزوم التّناقض بين الصّدر والذّيل في أدلّتها ؛ إذ مقتضى صدر مثل قوله عليهالسلام : «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام» جريان الاصول في أطراف العلم الإجماليّ ، لكون كلّ واحد منها مشكوكا بشكّ تفصيليّ ، ولكن مقتضى ذيله وهو جعل العلم والمعرفة غاية للحلّيّة الظّاهريّة عدم جريان الاصول وعدم الحكم بالحلّيّة بعد حصول العلم والمعرفة ولو إجمالا ، فلازم ذلك هو المناقضة بين الصّدر والذّيل ؛ وكذا يلزم التّناقض بين الصّدر والذّيل في دليل الاستصحاب وهو قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشّكّ» فإنّ كلمة : «الشّكّ» في صدر هذا الدّليل يعمّ الشّكّ البدويّ والمقرون بالعلم
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٣٤٨.