تعارض النّصين ، حيث إنّه قدسسره أدرجه في مبحث التّعادل والتّرجيح ، بدعوى : أنّ البحث عنه لا يرجع إلى البراءة ، بل المتعيّن فيه هو الرّجوع إلى المرجّح لو كان ، وإلّا فالتّخيير ، وبعبارة اخرى : البراءة هو المرجع عند فقد الدّليل ، ومن المعلوم ، أنّ أحد النّصين هو الدّليل تعيينا مع وجود المرجّح ، وتخييرا مع عدمه ، ومعه لا يصل الدّور إلى البراءة.
ولا يخفى عليك : أنّ ما صنعه المحقّق الخراساني قدسسره قبال الشّيخ الأنصاري قدسسره هو الصّحيح ؛ وذلك ، لأنّ ملاك جريان البراءة في جميع الصّور هو عدم قيام الحجّة على التّكليف وعدم وصوله إلى المكلّف ، مع أنّ جلّ أدلّة البراءة من اللّفظيّة واللّبيّة ، ومن النّقليّة والعقليّة جارية في جميع الأقسام. وعليه ، فلا ينبغي تكثير الأقسام وإفراد كلّ قسم بالبحث.
نعم ، يرد على المحقّق الخراساني قدسسره بأنّ إخراج تعارض النّصين مطلقا عن بحث البراءة ، لا دليل عليه ، لما سيجيء من أنّ الأصل في التّعارض هو التّساقط ، والمرجع حينئذ هو العامّ الفوق إن كان ، وإلّا فالأصل العمليّ.
وواضح : أنّ التّعارض لا ينحصر في النّصين والخبرين ، بل يقع بين ظاهري الكتاب فيرجع بعد التّساقط إلى الأصل العمليّ قطعا ، كما أنّه يرجع إلى هذا الأصل في فرض التّعارض بين الخبرين العامّين من وجه ، لو كان العموم فيهما من ناحية الإطلاق لا الوضع ؛ وذلك لسقوط كلا الإطلاقين حينئذ ، وهكذا بعض صور التّعارض الآخر على ما سيجيء في مبحث التّعادل والتّرجيح.
وليعلم ، أنّ قبح العقاب بلا بيان وعدم استحقاق المؤاخذة بلا حجّة وبرهان