ومنها : ما روى الصّدوق بإسناده ، عن أبي عبد الله عليهالسلام إنّه قال في قول الله عزوجل : «(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) ، لم يعنوا أنّه هكذا ، ولكنّهم قالوا : قد فرغ من الأمر ، فلا يزيد ولا ينقص ، فقال الله جلّ جلاله تكذيبا لقولهم : غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا ، بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ، ألم تسمع الله عزوجل يقول : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ»)(١).
وبالجملة : فالبداء في التّكوين ، وزان النّسخ في التّشريع ، بمعنى : أنّه ظهور للشّخص ما خفي عليه وعنه صورة ، لكنّه إبداء وإظهار للغير ما خفي عنه وعليه حقيقة.
والسّر فيه : أنّ الحوادث العينيّة متعيّنات في مرتبة الاقتضاء ، إلّا أنّه ربما يظهر ويحدث في الخارج خلاف ما كان يرى وينظر في تلك المرتبة ، وهذا إمّا لوجود الموانع ، أو لفقد الشّرائط ، وعليه ، فليس في الاعتقاد بالبداء محذور نسبة الجهل إلى الله تعالى ؛ إذ على هذا ، ليس معنى البداء : أنّ الله يعتقد شيئا ثمّ يظهر له خلاف ما اعتقده ، كيف وأنّه لا يقول : بمثل هذا المعنى في حقّه تعالى عوام الشّيعة ، فضلا عن العلماء.
فما عن الفخر الرّازي عند تفسير آية المحو والإثبات ، «قالت الرّافضة : البداء جائز على الله تعالى ، وهو أن يعتقد شيئا ثمّ يظهر له أنّ الأمر بخلاف ما اعتقده» (٢) لا سند له في كلمات الإماميّة والنّسبة غير صحيحة ، بل المعنى ما أشرنا آنفا ، وهو لا محذور فيه أصلا.
__________________
(١) التّوحيد : ص ١٦٧ و ١٦٨ ، الحديث ١.
(٢) التّفسير الكبير : ج ١٩ ـ ٢٠ ، ص ٦٦.