ضرورة ، أنّها لو تمّت ، كانت ناظرة إلى خصوص الواحد الشّخصي البسيط من كلّ جهة ، ومن المعلوم : أنّا إذا فرضنا أنّ الغرض في علم الاصول واحد بوحدة نوعيّة ، بمعنى : أنّه كلّي ذو أفراد يترتّب كلّ فرد منه على كلّ واحدة من المسائل مستقلّا ، فالجامع إذا لا يكون إلّا واحدا نوعيّا يؤثّر فيه ، لا واحدا شخصيّا ، كما هو مورد القاعدة.
أمّا الواحد العنواني ، فلأنّه ـ أيضا ـ خارج عن مورد القاعدة موضوعا ؛ ضرورة ، أنّ المراد من «الواحد» فيها هو الواحد الحقيقي ، دون العنوانيّ الانتزاعي ، فلو فرضنا أنّ الغرض في الاصول واحد عنوانيّ ، كما هو كذلك في كثير من العلوم ، فالجامع لا يكون ـ حينئذ ـ إلّا واحدا عنوانيّا ، لا واحدا شخصيّا ، كما هو مورد القاعدة.
وثالثا : بأنّ العلم حين تكوّنه وتدوّنه لم يكن إلّا قضايا قليلة محدودة بسيطة مجملة ، ثمّ اتّسعت دائرته طول القرون ، فلم يكن له بدو ظهوره وتحقّقه ، موضوع معيّن ، عيّنه المدوّن المؤسّس ، واستشهد على ذلك الإمام الرّاحل قدسسره بعلمي الجغرافيا والفقه. (١)
ورابعا : بأنّ العلم ـ على ما عرفت آنفا ـ ليس إلّا قضايا ذوات موضوعات ومحمولات ونسب ، ولا وجود آخر له وراء تلك القضايا والمسائل حتّى يكون له
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣ ، وإليك نصّ عبارته : «وما تقدّم من علم الجغرافيا أصدق شاهد ؛ إذ العلم بأوضاع الأرض من جبالها ومياهها وبحارها وبلدانها لم يتيسّر ، إلّا بمجاهدة الرّجال ، قد قام كلّ ، على تأليف كتاب في أوضاع مملكته الخاصّة به ، حتّى تمّ العلم ، ولم يكن الهدف في هذا البحث لدى هؤلاء الرّجال ، العلم بأوضاع الأرض ، حتّى يكون البحث عن أحوال مملكته بحثا عن عوارضها ، ونظيره علم الفقه».