(إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ) ؛ ألا تخافون الله ، (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) ، هو علم لصنم ، كان من ذهب ، وكان طوله عشرين ذراعا ، وكان له أربعة أوجه ، فافتتنوا به وعظّموه ، حتى أخدموه أربعمائة سادن ، وجعلوهم أنبياءه. وكان الشيطان يوسوس إليهم شريعة من الضلالة ، وكان موضعهم يسمى «بك» فركب معه وصار «بعلبكّ» ، وهو من بلاد الشام ، قلت : ويسمونه اليوم عكا ، وفيه قبر صالح عليهالسلام ، وقيل : إن إلياس والخضر حيان ، يلتقيان كل سنة بالموسم (١) ، فيأخذ كل واحد من شعر صاحبه. قيل : إن إلياس وكّل بالفيافي ، والخضر وكّل بالبحار. وقيل : إن الله قطع عنه لذة المطعم والمشرب ، وأليس الريش ، وطار مع الملائكة ، فصار إنسيا ملكيا ، أرضيا سماويا. فهو مازال حيا. فالله أعلم.
ثم قال : (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) أي : تعبدون صنما جامدا ، وتتركون عبادة الله الذي هو أحسن الخالقين. (اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢). من نصب الثلاثة فبدل ، ومن رفعها فمبتدأ وخبر. (فَكَذَّبُوهُ) فسلط الله عليهم ، بعد رفعه ، أو موته ، عدوا ، فقتل ملكهم وكثيرا منهم ، (فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) فى النار ، وإنما أطلقه اكتفاء بالقرينة ، أو : لأن الإحضار المطلق مخصوص بالشر. (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) من قومه ، فإنهم ناجون من حضور العذاب ، (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ) الثناء الحسن (فِي الْآخِرِينَ). (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (٣) ، وهو إلياس وأهله ؛ لأن «ياسين» اسم أبيه. وقرأ أكثر القراء : إلياسين ، بكسر الهمزة ووصل اللام ، أي : إلياس وقومه المؤمنين ، كقولهم : الخبيبون والمهلّبون ، يعنون عبد الله بن الزبير وقومه. والمهلّب وأتباعه. (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) وقيل : آل ياسين هو نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم وأهله ، والسياق يأباه.
الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى : (أَلا تَتَّقُونَ ، أَتَدْعُونَ بَعْلاً ..) إلخ ، أن مدار التقوى هو توحيد الله ، والانحياش إليه ، والبعد عن كل ما سواه ، والرجوع إلى الله فى كل شىء ، والاعتماد عليه فى كل حال. ويؤخذ من قوله : سلام على آل ياسين فى قراءة المد ، أن الرجل الصالح ينتفع به أهله وأقاربه ، وهو كذلك ؛ فإن عظم صلاحه تعدت منفعته إلى جيرانه وقبيلته ، فإذا كبر جاهه شفع فى الوجود بأسره.
__________________
(١) عزاه فى الدر المنثور (٥ / ٥٣٧) لابن عساكر ، عن ابن شوذب ، والحسن.
(٢) قرأ حفص ، وحمزة ، والكسائي بنصب الأسماء الثلاثة ، وقرأ الباقون بالرفع. انظر الحجة للفارسى (٦ / ٦٣).
(٣) قرأ نافع ، وابن عامر ، ويعقوب : (آل ياسين) بفتح الهمزة ، مشبعة ، وكسر اللام ، مفصولة عما بعدها ، والمراد : ولد ياسين وأصحابه ، قرأ الباقون «على إلياسين ، بكسر الهمزة ، وسكون اللام ، موصولة بما بعدها ، كلمة واحدة ، جمع «إلياس». انظر الإتحاف (٢ / ٤١٦).