وعن ابن عباس : أن الشمس بمنزلة السانية ، تجرى بالنهار فى السماء فى فلكها ، فإذا غربت ؛ جرت فى الليل تحت الأرض فى فلكها ، حتى تطلع من مشرقها ، وكذلك القمر. كذا نقل الكواشي عنه. ولعله لا يناقض ما جاء فى الحديث ، من أنها تسجد تحت العرش ، لإحاطة العرش بالجميع ، فهى حيث ما انتهت تحته. ونقل الأقليشى من حديث عكرمة ، عن ابن عباس : (ما طلعت شمس حتى ينخسها سبعون ألف ملك ، فيقولون لها : اطلعى ، فتقول : لا أطلع على قوم يعبدوننى من دون الله ، فيأتيها ملك من الله ، فيأمرها بالطلوع ، فتستقل بضياء بنى آدم ، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع ، فتطلع بين قرنيه ، فيحرقه الله تعالى تحتها ، وما غربت شمس قط إلا خرّت لله ساجدة ، فيأتيها شيطان ، يريد أن يصدها عن السجود ، فتغرب بين قرنيه ، فيحرقه الله تعالى ، وذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «ما طلعت شمس إلا بين قرنى الشيطان ، ولا غربت إلا بين قرنى الشيطان» (١). ه. على نقل شيخ شيوخنا الفاسى.
وقرأ ابن عباس وابن مسعود : «تجرى لا مستقر لها» ، ومعناها : إنها جارية أبدا ، لا تثبت فى مكان. وقراءة الجماعة أوفق بالحديث. (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أي : ذلك الجري على ذلك التقدير البديع ، والحساب الدقيق ، تقدير الغالب بقدرته على كل مقدور ، العليم بكل معلوم.
(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) ، من نصبه ؛ فبفعل مضمر ، ومن رفعه ؛ فمبتدأ ، والخبر : (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) ، وهى ثمانية وعشرون منزلا : فرع الدلو المقدم ، فرع الدلو المؤخر ، بطن الحوت ، النطح ، البطين ، الثّريّا ، الدّبران ، الهقعة ، الهنعة ، الذّراع ، النّثرة ، الصّرفة ، الجبهة ، الطّرفة ، الزّبرة ، العوّاء ، السّماك ، الغفر ، الزّبانى ، الإكليل ، القلب ، الشّولة ، النعائم ، البلدة ، سعد الذّابح ، سعد السّعود ، سعد الأخبية (٢) ، ينزل القمر كل ليلة فى واحد منها لا يتخطاها ، ولا يتقاصر عنها. على تقدير مستو ، يسير فيها من ليلة المستهلّ إلى الثامنة والعشرين ، ثم يستترّ ليلتين ، أو ليلة إذا نقص الشهر. ولا بد فى (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) من تقدير مضاف ؛ أي : قدرّنا سيره ، أو نوره ، فيزيد وينقص ، إذ لا معنى لتقدير القمر منازل ، فيكون «منازل» ظرفا.
فإذا كان فى آخر منازله ، دق وتقوس ، (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ) أي : كالشّمراخ ، وهو عنقود التمر إذا يبس واعوج. ووزنه فعلون ، من الانعطاف ، وهو الانعراج ، (الْقَدِيمِ) ؛ العتيق المحول (٣) ، وإذا قدم دقّ ، وانحنى ، واصفرّ ، فشبه القمر به من ثلاثة أوجه.
__________________
(١) أخرجه ابن عساكر (تهذيب تاريخ دمشق ٣ / ١٢٤).
(٢) انظر البحر المحيط (٧ / ٣٢٢) وتفسير القرطبي (٦ / ٥٦٣٢ ـ ٥٦٣٣).
(٣) أي : مرّ عليه حول (عام) فصاعدا.