(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) أي : من ثمر الله ، أي : ليأكلوا مما خلق الله تعالى من الثمر ، أو : من ثمرة ، يخلقها الله من ذلك ، على قراءة الأخوين (١). (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) أي : ومما عملته أيديهم من الغرس ، والسقي ، والتلقيح ، وغير ذلك ، مما تتوقف عليه فى عالم الحكمة ، إلى أن يبلغ الثمر منتهاه. يعنى : أن الثمر فى نفسه فعل الله ، وفيه آثار من عمل ابن آدم ، حكمة ، وتغطية لأسرار الربوبية. وأصله : من ثمرنا ، كما قال : (وَجَعَلْنا وَفَجَّرْنا) ، فالتفت إلى الغيبة. ويجوز أن يرجع الضمير إلى النخيل ، ويترك الأعناب غير مرجوع إليها ؛ لأنه علم أنها فى حكم النخيل. وقيل : «ما» نافية ، على أن الثمرة خلق الله ، ولم تعمله أيدى الناس ، ولا يقدرون عليه. (أَفَلا يَشْكُرُونَ) الله على هذه النعم الجسيمة ، وهو حثّ على الشكر.
(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) ؛ الأصناف (كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) من النخيل ، والشجر ، والزرع ، والثمار ، كيف جعلها مختلفة فى الطعوم ، والروائح ، والشكل ، والهيئة ، واختلاف أوراق الأشجار ، وفنون أغصانها ، وأصناف نورها وأزهارها ، واختلاف أشكال ثمارها ، فى تفردها واجتماعها ، مع ما بسط فيها من الطبائع الأربع ؛ من الحرورة ، والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة ، وما فيها من المنافع المتنوعة. (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) ؛ الأولاد ؛ ذكورا وإناثا ، (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) من أصناف لم يطلعهم الله عليها ، ولم يتوصّلوا إلى معرفتها ، ففى البحار عجائب لا يعلمها الناس. قال تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢). وفائدة التنزيه : نفى تشبيه الذات بشىء من هذه الأزواج. والله تعالى أعلم.
قال القشيري : والعجب ممّن ينكر أصول الدين ، ويقول : ليس فى الكتاب عليه دليل ، وأكثر ما فى القرآن من الآيات تدل على سبيل الاستدلال ، ولكن يهدى لنوره من يشاء ، ولو أنهم أنصفوا واشتغلوا بأهم شىء لهم ما ضيّعوا أصول الدين ، ورضوا فيها بالتقليد ، وادّعوا فى الفروع رتبة الإمامة والتصدير ، وفى معناها قيل :
يا من تصدّر فى دست (٣) الإمامة من |
|
مسائل الفقه إملاء وتدريسا |
غفلت عن حجج التوحيد تحكمها |
|
شيّدت فرعا وما مهّدت تأسيسا! ه |
قلت : وحاصله : مدح علم الأصول وترك علم أصل الأصل ، وهو علم التوحيد الخاص ، أعنى الشهود والعيان. وقد قلت فى ذلك ، تذليلا :
__________________
(١) قرأ حمزة والكسائي (من ثمر) بضم المثلثة والميم. وهى إما جمع «ثمرة» مثل : خشبة وخشب. وإما جمع ثمار ، وثمار جمع ثمرة ، فيكون جمع الجمع. انظر : شرح الهداية للمهدوى (٢ / ٢٨٥) ، وإتحاف فضلاء البشر (٢ / ٢٥).
(٢) من الآية ٨ من سورة النحل.
(٣) الدست : صدر البيت.