الفلاسفة والطبائعيين ، أهل الحدس والتخمين ، إذا لم يقتدوا بالكتاب المبين ، وشرع النبي الأمين. أولئك هم الضالون المضلّون.
ولمّا كان النظر فى هذه المصنوعات إنما يكون بالعلم ، ذكر أهله ، فقال :
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ) أي : يخافه (مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ؛ لأنهم هم الذين يتفكرون فى عجائب مصنوعاته ، ودلائل قدرته ، فيعرفون عظمته وكبرياءه ، وجلاله وجماله ، ويتفكرون فيما أعد الله لمن عصاه من العذاب ومناقشة الحساب ، وفيما أعد لمن خافه وأطاعه من الثواب ، وحسن المآب ، فيزدادون خشية ، ورهبة ، ومحبة ، ورغبة فى طاعته ، وموجب رضوانه ، دون من عداهم من الجهال. وفى الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم : «أعلمكم بالله أشدكم له خشية» (١) وقال صلىاللهعليهوسلم : «رأس الحكمة مخافة الله» (٢).
وقال الربيع بن أنس : من لم يخش الله فليس بعالم ، وقال ابن عباس فى تفسير الآية : كفى بالزهد علما ، وقال ابن مسعود : كفى بخشية الله علما ، وبالاعتذار جهلا. وفى الحكم : «خير علم ما كانت الخشية معه». وقال فى التنوير : اعلم أن العلم حيثما تكرر فى الكتاب والسنّة ؛ فإنما المراد به العلم النافع ، الذي تقارنه الخشية ، وتكتنفه المخافة. قال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ). بيّن سبحانه أن الخشية تلازم العلم ، وفهم من هذا أن العلماء إنما هم أهل الخشية. ه.
وقال الشيخ ابن عباد رضي الله عنه : واعلم أن العلم النافع ، المتفق عليه فيما سلف وخلف ، إنما هو العلم الذي يؤدى بصاحبه إلى الخوف والخشية ، وملازمة التواضع والذلة ، والتخلق بأخلاق الإيمان ، إلى ما يتبع ذلك من بغض الدنيا والزهادة فيها ، وإيثار الآخرة عليها ، ولزوم الأدب بين يدى الله تعالى ، إلى غير ذلك من الصفات العلية ، والمناحى السنية. ه.
__________________
(١) قال الحافظ ابن حجر : لم أجده هكذا ، وفى الصحيح : «أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية». حاشية الكشاف (٣ / ٦١١).
(٢) أخرجه البيهقي فى الشعب (١ / ٤٧١ / ح ٧٤٣ ، ٧٤٤) عن ابن مسعود ، موقوفا ومرفوعا. قال العراقي فى المغني : رواه أبو بكر بن لال الفقيه فى مكارم الأخلاق ، والبيهقي فى الشعب ، وضعّفه من حديث ابن مسعود ، ورواه فى دلائل النبوة ، من حديث عقبة بن عامر ، ولا يصح أيضا.