إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٤ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٤ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :631

تحمیل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٤ ]

432/631
*

لهذه الصفات. (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً) لما اقترفوا من السيئات ، (وَأَجْراً عَظِيماً) على طاعتهم. قال البيضاوي : والآية وعد لهن ، ولأمثالهن ، على الطاعة والتدرّع بهذه الخصال. روى أن أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلن : ذكر الرجال فى القرآن بخير فما فينا خير ، فنزلت (١). ه.

الإشارة : اعلم أن اصطلاح الصوفية أن ما يتعلق بعمل الجوارح الظاهرة يسمى إسلاما ، وما يتعلق بعمل القلوب الباطنية يسمى إيمانا ، وما يتعلق بعمل الأرواح والأسرار يسمى إحسانا. قال فى البغية : فالإسلام يشتمل على وظائف الظاهر ، وهى الغالبة عليه ، وذلك من عالم الشهادة ، والإيمان يشتمل على وظائف الباطن ، وهى الغالبة عليه ، وذلك من عالم الغيب ، وهى الأعمال الغيبية ، ولمّا انفتح لها باب من الأعمال الظاهرة للعبادة ، وأشرقت عليها من ذلك أنوار ، وتعلقت همتها بعالم الغيب ، مالت إلى الوفاء بالأعمال الباطنة ، ثم لمّا تمكنت فى الأعمال الباطنة ، واطلعت على عالمها ، وأشرفت على طهارتها ، وتعلقت همتها بعالم الملكوت ، مالت إلى الوفاء بالأسرار الإحسانية ، ومن هناك تدرك غاية طهارتها وتصفيتها ، والاطلاع على معارف الحقائق الإلهية. ثم قال : فإذا تبين هذا ، فالإسلام له معنى يخصه ، وهو انقياد الظاهر بما تكلف به من وظائف الدين ، مع ما لا بد منه من التصديق. والإيمان له معنى يخصه ، وهو تصديق القلب بجميع ما تضمنه الدين من الأخبار الغيبية ، مع ما لا بد منه من شعبه. والإحسان له معنى يخصه ، وهو تحسين جميع وظائف الدين الإسلامية والإيمانية ، بالإتيان بها على أكمل شروطها ، وأتم وظائفها ، خالصة من جميع شوائب عللها ، سالمة من طوارق آفاتها. ه.

قلت : ولا يكفى فى مقام الإحسان تحسين الوظائف فقط ، بل لا بد فيه من كشف حجاب الكائنات ، حتى يفضى إلى شهود المكوّن ، فيعبد الله على العيان. كما فى الحديث : «أن تعبد الله كأنك تراه». فإذا تقرر هذا ؛ فالآية مشتملة على تدريج السلوك ؛ فأول مقامات المريد : الإسلام ، ثم الإيمان ، كما فى الآية ، ثم يكون من القانتين المداومين على الطاعة ، ثم يكون من الصادقين فى أقواله ، وأفعاله ، وأحواله ، صادقا فى طلب مولاه ، غائبا عن كل ما سواه ، ثم من الصابرين على مجاهدة النفس ، ومقاساة الأحوال ، وقطع المقامات والمفاوز. وقال القشيري : من الصابرين على الخصال الحميدة وعن الخصال الذميمة ، وعند جريان مفاجآت القضية. ه. ثم من الخاشعين الخاضعين لهيبة الجلال ، مشاهدا لكمال أنوار الجمال. قال القشيري : الخشوع : إطراق السريرة عند بواده الحقيقة. ه.

__________________

(١) أخرجه ، بنحوه ، أحمد فى المسند (٦ / ٣٠١) والحاكم ، وصححه ووافقه الذهبي (٢ / ٤١٦) ، والطبراني فى الكبير (٢٣ / ٢٦٣ ح ٥٥٤) و (٢٣ / ٢٩٤ ح ٦٥٠) من حديث أم سلمة ـ رضى الله عنها ـ وأخرجه ابن جرير فى التفسير (٢٢ / ١٠) من حديث ابن عباس رضي الله عنه وأم سلمة ـ رضى الله عنها.