وحتمي وغير قابل للتغيير ، فليست هذه المسألة بأكثر من خرافة ، أي حمل بعض الجهلاء مسألة «القضاء والقدر الإلهي» ، على هذا المعنى ، فالقضاء والقدر الإلهي يشير من جهة إلى قانون العلية ، أي أنّ الله قدّر نجاح وتوفيق الساعين العاملين ، وأفشل الكسالى والخاملين «ووجود بعض الإستثناءات المحدودة لا تُلغي كُليّة هذه المسألة».
وكذا تعلق القضاء والقدر الإلهي بعمل الإنسان بأن يسعد المطيعون ، ويشقى العاصون ويهزم الذين يَسلكون طريق الفرقة والاختلاف.
والقضاء والقدر الإلهي هكذا دائماً ، ومن المُسلّم تناغمه الكامل مع مسألة العدل الإلهي إن فُسّر بهذا الشكل ، وإن حملناه على ما فسّره بعض الجهلاء فسوف يتنافى مع العدل الإلهي ، وليس هنالك طريق لحل هذه المعضلة (١).
وأمّا مسألة تفاوت الناس من حيث الفقر والغنى ، فهي أيضاً مسألة من قبيل القضاء والقدر الإلهي المشروط ، أي أنّ الأفراد أو الشعوب المثابرة ، المنظمة ، والمتحدة أغنى من الأفراد والشعوب الكسولة العديمة النظم والإتحاد عادة ، ونحن نلاحظ نماذج عينية لها في مجتمعنا والمجتمعات العالمية ، ولا يُمكن للموارد الاستثنائنة أن تُلغي هذا الأصل الكلّي.
أجل ، فهنالك موارد أيضاً يفرض الفقر فيها على فرد أو مجتمع معين من الخارج ، ويؤدّي الاستعمار والاستثمار من قبل جماعة إلى فقر واستضعاف جماعة اخرى ، وهذه المسألة أيضاً لا تفسح المجال للتشكيك بمسألة العدل الإلهي ، فلا ريب في أنّ الله قد منح الإنسان الحرّية ، لأنّه تعالى لو لم يفعل لما أمكن سلوك طريق التكامل تحت ظروف الجبر ، ولا ريب أيضاً في قيام جماعة باستغلال هذه المسألة بصورة سيئة ، وطبعاً سينتصر الله للمظلوم من الظالم ، ولكن إذا كان من المقرر أن تؤدّي الإستغلالات السيئة إلى سلب الله الناس الحرّية بصورة تامّة لتعطلت قافلة السير التكاملي الإنساني ، هذا من جهة ومن جهة اخرى ، إن سوء استغلال العباد لنعمة الحرية لا تخدش عدالة الله أصلاً (٢).
__________________
(١) ولتمام التوضيح حول مسألة القضاء والقدر والمصير راجع كتاب دوافع ظهور المذاهب ، ص ١٧ ـ ٤١ ، والتفسير الامثل ذيل الآية ٤٩ من سورة القمر.
(٢) ورد توضيح أكثر حول هذا البحث في نفحات القرآن ، ج ٢ ، ص ٢٩٠ ـ ٢٩٤.