فلو كانت المعرفة غير ممكنة فلماذا التفكير؟ بالخصوص بعد حصر الموعظة بالتفكّر وذلك باستعمال «إنّما» التي تفيد الحصر ، وهنا يثبت أنّ مفتاح النجاة هو المعرفة فقط!
لكن هذا التفكر سواءاً كان ـ جماعياً أو فردياً ـ ينبغي أن يكون متزامناً مع القيام لله وفي سبيله ، ولهذا يقول) انْ تَقومُوا لله (أي بعيداً عن التعصب والعناد ، والهو النفساني ىالذي سيأتي شرحه في موانع المعرفة إن شاء الله.
وقد أكّد النبي يوسف عليهالسلام على هذا الموضوع ، وقال عند جلوسه على عرش السلطة في مصر :
(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالْارْضِ أَنْتَ وَلِىِّ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ). (يوسف / ١٠١)
من الملفت للنظر هنا هو أن علم تعبير المنام من العلوم ذات الأهميّة القليلة ، وبالرغم من ذلك فإنّ قصة يوسف عليهالسلام في القرآن تكشف بوضوح عن أن علمه بتعبير الرؤيا أدّى إلى إنقاذه من سجن عزيز مصر ، كما أدى إلى إنقاذ مصر من القحط والمجاعة ، لأنّ العزيز رأى مناماً عجيباً عجز المفسرون عن تأويله ، إلّاأنّ أحد السجناء الذين قد أُطلق سراحهم وسبق ليوسف انْ فَسَّرَ رؤياه في السجن كان حاضراً في البلاط آنذاك فقال : إنّي أعرف من يفسّر الرؤيا جيداً ، وعندما فسّر يوسف عليهالسلام له ما رآهُ في منامه الذي يتعلق بالامور الاقتصادية لسبع سنوات مقبلة ، أطلق سراحه وتهيَّأت مقدمات حكومته من جهة ، ومن جهة اخرى استطاع أن يضع برنامجاً دقيقاً لانقاذ أهل مصر من المجاعة خلال سنوات القحط المقبلة.
إنّ الآية السابقة التي تحدثت عن علم تأويل الأحاديث (في المنام) بعد حديثها عن ملك يوسف (حكومته) ، يمكن أنّها تشير إلى العلاقة بين هذين الاثنين.
وكيفما كان فإنّ هذه الآية توحي بأنّ مفتاح النجاة هو العلم والمعرفة.
وحتى أنّ أبسط العلوم يمكن أن يكون سبباً لانقاذ دولة (١).
* *
__________________
(١). يقول الإمام علي عليهالسلام مخاطِباً كميل : «يا كميل ما من حركة إلّاوأنت محتاج فيها إلى معرفة» (تحف العقول ، ص ١٩).