كما يقول الفخر الرازي :
«والبعض الآخر ذكر في حصر الهداية بالمتقين لأنّ الله تعالى ذكر المتقين مدحاً ليبين أنّهم هم الذين اهتدوا وانتفعوا به كما قال : (إِنَّمَا انْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا). (النازعات / ٤٥)
وقال : (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ). (يس / ١١)
وقد كان عليهالسلام منذراً لكل الناس ، فذكر هؤلاء الناس لاجل أنّ هؤلاء هم الذين انتفعوا بانذاره» (١).
وقد استنتج الفخر الرازي في بعض عباراته :
«ولو لم يكن للمتقي فضيلة إلّاما في قوله تعالى (هدى للمتقين) كفاه لانه تعالى بيّن أنّ القرآن هدى للناس في قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لّلنَّاسِ ...). (البقرة / ١٨٥)
ثم قال : إنّه هدى للمتقين فهذا يدل على أنّ المتقين هم كل الناس فمن لا يكون متقياً كانه ليس بانسان» (٢).
وبالرغم من عدم تعارض التفاسير الماضية ، إلّاأنّ التفسير الأول يبدو أوضح ، ومن هنا يعرف عدم صحة الرأي القائل (بحمل «المتقين» في الآية على المجاز ، والقول بأنّ المراد منهم سالكو طريق التقوى ، وذلك للحيلولة دون الوقوع في إشكال (تحصيل حاصل) ، وذلك لأنّ للتقوى ـ وكما قلنا ـ مراحل ودرجات ، فمرحلة منها تؤهل لهداية القرآن ، والمراحل الرفيعة الاخرى تكون وليدة هداية القرآن.
ويُطرح هنا سؤال وهو : إنّ الآيات التي جاءت بعد «هدىً للمتقين» عرفت المتقين بالذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، وعلى هذا ، أفلا تكون هداية القرآن تحصيلاً للحاصل يا ترى؟!
إنّ الإجابة على هذا السؤال تتضح بالالتفات إلى نقطة في هذا المجال وهي : إنّ الوصول إلى هذه المراحل المذكورة في السؤال ليست نهاية الطريق ، بل هناك مراحل كثيرة اخرى ينبغي طيها لبلوغ المرحلة التكاملية اللائقة بالإنسان ، وهذه المرحلة عند
__________________
(١). التفسير الكبير ، ج ٢ ، ص ٢١.
(٢). المصدر السابق.