ثالثاً : إنّ أمر الوحي واضح بالكامل للمسلم الملم بمفاهيم القرآن حيث يُعتبر نوعاً من الاتصال بالعالم الإلهي ، وتلقي معارف عظيمة وجليلة للغاية من هذا العلم لم يستطع الإنسان أن يصل إليها بالعقل.
إنّ الوحي من وجهة نظر القرآن الكريم هداية إِرادية بالكامل وهو أسمى بكثير من «الهداية العقلية» ، ـ وكما قلنا سابقاً ـ فإنا إذا شبهنا العقل بنور مصباح نيّر فإنّ الوحي بمثابة الشمس الساطعة.
يخاطب القرآن الناس ـ من جهة ـ قائلاً : (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ الَّا قَلِيلاً). (الاسراء / ٨٥)
ومن جهة اخرى يصف الله علمه ويقول : (وَلَوْ انَّمَا فِى الْارْضِ مِنَ شَجَرَةٍ اقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ ابْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ انَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (لقمان / ٢٧)
فوحي النبوة ارتباط بهذا العلم اللامتناهي ، ولهذا يصرح القرآن الكريم أنّ الله هو معلم الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله.
(وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ). (النساء / ١١٣)
إنّ العقل والعلم البشري مهما تقدما وتكاملاً أضعف من أن يقودا الإنسان إلى طريق السعادة من دون توجيه وارشاد الوحي ، والدليل الحي لهذا الكلام هو مذاهب الفلاسفة وانحرافاتهم العجيبة ، والحقيقة أنّ الذين عُرفوا كمفكرين اسلاميين هم مفكرون غربيون في واقع أمرهم ، وأفكارهم اتخذت صبغة الأفكار الغربية ، ولهذا سعوا دائماً لذكر تبريرات طبيعية للُامور غير الطبيعية.
إنّ الغربيين إذا اصروا على ذكر تبريرات طبيعية للُامور الغيبية ، فذلك لانكارهم عالم الغيب ، فلا ينبغي لأي مسلم اقتفاء أثرهم في ذكر تبرير طبيعي لمسألة كهذه.
من المؤسف أنّ الآثار السيئة لهذا التقليد نجدها في كثير من كتب أولئك المفكرين الذين غالباً ما درسوا في الغرب ، ومعلوماتهم عن الإسلام قليلة جدّاً.
* *