ومنها : أنّه سمى ترك الندب ذنبا ، وحسن ذلك ؛ لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّن لا يخالف الأوامر إلّا هذا الضرب من الخلاف ولعظم منزلته وقدره جاز أن يسمّي بالذنب منه ما إذا وقع من غيره لم يسمّ ذنبا.
وهذا الوجه يضعّفه ـ على بعد هذه التسمية ـ أنّه لا يكون معنى لقوله : «انّني أغفر ذنبك» ولا وجه في معنى الغفران يليق بالعدول عن الندب.
ومنها : أنّ القول خرج مخرج التعظيم ، وحسن الخطاب ، كما قلناه في قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (١) ، وهذا ليس بشيء ؛ لأنّ العادة قد جرت فيما يخرج هذا المخرج من الألفاظ أن يجري مجرى الدعاء ، مثل قولهم : «غفر الله لك» ، «وليغفر الله لك» وما أشبه ذلك. ولفظ الآية بخلاف هذا ؛ لأنّ المغفرة جرت فيها مجرى الجزاء والغرض في الفتح.
وقد كنّا ذكرنا في هذه الآية وجها اخترناه وهو أشبه بالظاهر ممّا تقدّم ، وهو أن يكون المراد بقوله : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) الذنوب إليك ؛ لأنّ الذنب مصدر والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول معا ، ألا ترى أنّهم يقولون : «أعجبني ضرب زيد عمرا» إذا أضافوه إلى الفاعل ، «وأعجبني ضرب زيد عمرا» إذا أضافوه إلى المفعول؟ ومعنى المغفرة على هذا التأويل هي الإزالة والفسخ والنسخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه ، وذنوبهم إليه في منعهم إياه عن مكّة وصدّهم له عن المسجد الحرام.
وهذا التأويل يطابق ظاهر الكلام حتى تكون المغفرة غرضا في الفتح ووجها له ، وإلّا فإذا أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) معنى معقول ؛ لأنّ المغفرة للذنوب لا تعلّق لها بالفتح ، وليست غرضا فيه.
وأمّا قوله تعالى : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ، فلا يمتنع أن يريد به ما تقدّم زمانه من فعلهم القبيح لك ولقومك وما تأخّر.
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ٤٣ ، تقدّم تفسيره.