أتاني نجيّي بعد هدء ورقدة |
|
ولم أك فيما قد بلوت بكاذب (١) |
وأنشد الفراء في الجمع :
ظلّت نساؤهم والقوم انجية |
|
يعدي إليها كما يعدى على الغنم (٢) |
فأمّا قوله تعالى : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) ففيه وجوه :
أوّلها : أن يكون المراد : إن تتّبعون إلّا رجلا متغيّر العقل ؛ لأنّ المشركين كان من مذهبهم عيب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتضعيف أمره وتوهين رأيه ، وكانوا في وقت ينسبونه إلى أنّه ساحر ، وفي آخر يرمونه بالجنون ، وأنّه مسحور مغيّر العقل ، وربّما قذفوه بأنّه شاعر حوشيّ من ذلك كلّه. وقد جرت عادة الناس بأن يصفوا من يضيفونه إلى البله والغفلة وقلة التحصيل بأنّه محسور.
وثانيها : أن يريدوا بالمسحور المخدوع المعلّل ؛ لأنّ ذلك أحد ما يستعمل فيه هذه اللفظة ، قال امرؤ القيس :
أرانا موضعين لحتم غيب |
|
ونسحر بالطّعام وبالشّراب (٣) |
وقال أميّة بن أبي الصلت :
فإن تسألينا فيم نحن فإنّنا |
|
عصافير من هذا الأنام المسحّر (٤) |
وثالثها : أنّ السّحر في لغة العرب الرّئة وما تعلّق بها ، وفيه ثلاث لغات : سحر وسحر وسحر ، وقيل : السّحر ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى الجوف ؛ وقيل : إنّه الكبد ؛ فكأنّ المعنى على هذا : إن تتّبعون إلّا رجلا ذا سحر ؛ خلقه الله بشرا كخلقكم.
__________________
(١) الشاعر هو سواد بن قارب السدوسي ، صحابيّ ذكره ابن حجر في الاصابة ، وهذا البيت من جملة أبيات أنشدها عند الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ذكرت مع خبر له في مقدمة جمهرة الأشعار ٢٤ ـ ٢٦. والرواية هناك :
ولم يك فيما قد عهدت بكاذب
(٢) البيت في اللسان (نجا) ، ونسبه لسحيم ، ولم يذكر في ديوانه.
(٣) ديوانه : ١٣٢ ، موضعين : مسرعين ، والإيضاع : نوع من السير. والحتم : الإيجاب.
(٤) البيت في اللسان (سحر) ، ونسبه إلى لبيد ؛ وهو أيضا في ديوانه :