إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٣ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٣ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :607

تحمیل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٣ ]

558/607
*

قال القشيري : حق الجهاد ما يوافق الأمر فى القدر والوقت والنوع ، فإذا حصل فى شىء منه مخالفة فليس حقّ جهاده. ه. قلت : موافقة القدر ، فى جهاد النفس ، أن يكون بغير إفراط ولا تفريط ، فالإفراط يمل ، والتفريط يخل ، وموافقة الوقت أن يكون قبل حصول المشاهدة ؛ إذ لا تجتمع مجاهدة ومشاهدة فى وقت واحد. والنوع أن يجاهدها بما يباح فى الشرع ، لا بمحرم ولا مكروه. وقال فى الحاشية : هو الوفاء بالمشروع مع رفع الحرج ، بدليل ما بعده ، فهو موافق لقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١) ، ومما هو ظاهر فى الآية : الذب عن دينه وتغيير المناكر. ه. (هُوَ اجْتَباكُمْ) : اختاركم لدينه بإظهاره والذب عنه ، وهو تأكيد للأمر بالجهاد ، أي : وجب عليكم أن تجاهدوا ؛ لأنّ الله اختاركم لإظهار دينه ، (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) : ضيق ، بل وسع عليكم فى جميع ما كلفكم به ، من الطهارة ، والصلاة والصوم والحج ، بالتيمم والإيماء ، وبالقصر فى السفر ، والإفطار لعذر ، وعدم الاستطاعة فى الحج. فاتبعوا (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) ؛ فإن ما جاءكم به رسولكم موافق لملته فى الجملة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «جئتكم بالحنيفية السمحة» (٢) ،

وسماه أبا ، وإن لم يكن أبا للأمة كلها ؛ لأنه أبو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان أبا لأمته ؛ لأن أمة الرسول فى حكم أولاده. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّما أنا لكم مثل الوالد» (٣).

(هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) أي : الله ، بدليل قراءة أبى : «الله سماكم» أو إبراهيم لقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٤) (مِنْ قَبْلُ) أي : سماكم من قبل ظهورهم فى الكتب السالفة ، (وَفِي هذا) أي : القرآن ، فقد فضلكم على سائر الأمم ، وسماكم بهذا الاسم الأكرم ، (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) أنه قد بلغكم رسالة ربكم ، (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) بتبليغ الرسل رسالات الله إليهم. وإذا خصكم بهذه الكرامة والأثرة (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) بواجباتها ، (وَآتُوا الزَّكاةَ) لشرائطها ، (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) أي ثقوا به وتوكلوا عليه ، لا بالصلاة والزكاة. أو : ثقوا به فى جميع أموركم ، ولا تطلبوا الإعانة والنصر إلا منه. (هُوَ مَوْلاكُمْ) : مالككم وناصركم ومتولى أموركم ، (فَنِعْمَ الْمَوْلى) ؛ حيث لم يمنعكم رزقكم بعصيانكم ، (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) أي : الناصر ؛ حيث أعانكم على طاعتكم ومجاهدة نفوسكم وأعدائكم.

__________________

(١) من الآية ١٦ من سورة التغابن.

(٢) أخرجه الإمام أحمد فى المسند (٥ / ٢٦٦) ، والطبراني فى الكبير (٨ / ٢٥٧ رقم ٧٨٦٨) من حديث أبى أمامة بلفظ : «إنى لم أبعث باليهودية ولا النصرانية ، ولكنى بعثت بالحنيفية السمحة».

(٣) بعض حديث أخرجه أبو داود فى (الطهارة ، باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة) ، والنسائي فى (الطهارة ، باب النهى عن الاستطابة بالروث) ، وابن ماجة فى (الطهارة ، باب الاستنجاء بالحجارة) ، والدارمي فى (الطهارة ، باب الاستنجاء بالأحجار) عن أبى هريرة رضى الله عنه.

(٤) من الآية ١٢٨ من سورة البقرة.