(وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) النبوة والملك والمال. قيل : هو يعقوب بن إسحاق. وقال الكلبي ومقاتل : هو يعقوب ابن ماثان ، أخو عمران بن ماثان ، أبى مريم ، وكانت زوجة زكريا أخت أم مريم ، وماثان من نسل سليمان عليهالسلام ، فكان آل يعقوب أخوال يحيى. قال الكلبي : كان بنو ماثان رؤوس بنى إسرائيل وملوكهم ، وكان زكريا رئيس الأحبار يومئذ ، فأراد أن يرث ولده حبورته ، ويرث من بنى ماثان ملكهم. ه.
(وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) أي : مرضيا ، فعيل بمعنى مفعول ، أي : ترضى عنه فيكون مرضيا لك ، ويحتمل أن يكون مبالغة من الفاعل ، أي : راضيا بتقديرك وأحكامك التعريفية والتكليفية. والله تعالى أعلم.
الإشارة : طلب الوارث الروحاني ـ وهو وارث العلم والحال ـ جائز ليبقى الانتفاع به بعد موته. وقيل : السكوت والاكتفاء بالله أولى ، ففى الحديث : «يرحم الله أخانا زكريّا ، وما كان عليه من يرثه» (١). وقوله تعالى : (نِداءً خَفِيًّا). الإخفاء عند الصوفية أولى فى الدعاء والذكر وسائر الأعمال ، إلا لأهل الاقتداء من الكملة ، فهم بحسب ما يبرز فى الوقت.
وقوله تعالى : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا). فيه قياس الباقي على الماضي ، فالذى أحسن فى الماضي يحسن فى الباقي ، فهذا أحد الأسباب فى تقوية حسن الظن بالله ؛ وأعظم منه من حسّن الظن بالله ؛ لما هو متصف به تعالى من كمال القدرة والكرم ، والجود والرأفة والرحمة ، فإن الأول ملاحظ للتجربة ، والثاني ناظر لعين المنّة. قال فى الحكم : «إن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه ، حسّن ظنك به لوجود معاملته معك ، فهل عوّدك إلا حسنا؟ وهل أسدى إليك إلا مننا؟».
ثم ذكر إجابته لزكريا عليهالسلام ، فقال :
(يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١))
__________________
(١) أخرجه عبد الرزاق فى تفسيره (٢ / ٣) ، وابن جرير (١٦ / ٤٨) عن قتادة.