الْمَشْئَمَةِ) وهم الذي يعطون كتبهم بشمالهم وقيل : هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار وقيل : هم المشائيم على أنفسهم بما عملوا من المعصية. ثم عجب سبحانه رسوله من حالهم تفخيما لشأنهم في العذاب فقال (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) ثم بيّن سبحانه الصنف الثالث فقال (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) أي والسابقون إلى اتباع الأنبياء الذين صاروا أئمة الهدى فهم السابقون إلى جزيل الثواب عند الله عن الجبائي وقيل معناه : السابقون إلى طاعة الله ، وهم السابقون إلى رحمته ، والسابق إلى الخير إنما كان أفضل لأنّه يقتدى به في الخير ، وسبق إلى أعلى المراتب قبل من يجيء بعده (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) أي والسابقون إلى الطاعات يقربون إلى رحمة الله في أعلى المراتب ، وإلى جزيل ثواب الله في أعظم الكرامة. ثم أخبر تعالى أين محلهم فقال (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) لئلا يتوهم متوهم أن التقريب يخرجهم إلى دار أخرى ، فاعلم سبحانه أنهم مقربون من كرامة الله في الجنة ، لأن الجنة درجات ومنازل بعضها أرفع من بعض (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) أي هم ثلة ، يعني جماعة كثيرة العدد من الأولين من الأمم الماضية (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) من أمة محمد ، لأن من سبق إلى إجابة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم قليل بالإضافة إلى من سبق إلى إجابة النبيين قبله (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أي منسوجة كما يوضن حلق الدرع فيدخل بعضها في بعض ، قال المفسرون : منسوجة بقضبان الذهب ، مشبكة بالدر والجواهر (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها) أي مستندين جالسين جلوس الملوك (مُتَقابِلِينَ) أي متحاذين كل واحد منهم بإزاء الآخر وذلك أعظم في باب السرور ، والمعنى : أن بعضهم ينظر إلى وجه بعض لا ينظر في قفاه لحسن معاشرتهم ، وتهذّب أخلاقهم.
١٧ ـ ٢٦ ـ ثم أخبر سبحانه تعالى (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ) أي وصفاء وغلمان للخدمة (مُخَلَّدُونَ) أي باقون لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون (بِأَكْوابٍ) وهي القداح الواسعة الرؤوس (وَأَبارِيقَ) وهي التي لها خراطيم وعرى ، وهو الذي يبرق من صفاء لونه (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أي ويطوفون أيضا عليهم بكأس من خمر معين ، أي ظاهر للعيون جار (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) أي لا يأخذهم من شربها صداع (وَلا يُنْزِفُونَ) أي لا تنزف عقولهم ، بمعنى لا تذهب بالسكر (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) أي ويطوفون عليهم بفاكهة مما يختارونه ويشتهونه (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي وبلحم طير مما يتمنون ، فإن أهل الجنة إذا اشتهوا لحم الطير خلق الله سبحانه لهم الطير نضيجا حتى لا يحتاج إلى ذبح الطير وإيلامه (وَحُورٌ عِينٌ) قد مرّ بيانه (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) أي الدر المصون المخزون في الصدف لم تمسه الأيدي (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي نفعل ذلك لجزاء أعمالهم وطاعاتهم التي عملوها في دار الدنيا (لا يَسْمَعُونَ فِيها) أي في الجنة (لَغْواً) أي ما لا فائدة فيه من الكلام ، لأن كل ما يتكلمون به فيه فائدة (وَلا تَأْثِيماً) أي لا يقول بعضهم لبعض : أثمت ، لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) أي لا يسمعون إلا قول بعضهم لبعض على وجه التحية : سلاما سلاما ، والمعنى : أنهم يتداعون بالسلام على حسن الآداب ، وكريم الأخلاق اللذين يوجبان التواد.
٢٧ ـ ٤٠ ـ ثم ذكر سبحانه أصحاب اليمين وعجب من شأنهم فقال (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) هو مثل قوله : ما أصحاب الميمنة وقد مر معناه (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) أي في نبق مخضود ، أي منزوع الشوكة قد خضد شوكه : أي قطع (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) قال ابن عباس وغيره : هو شجر الموز (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) أي دائم لا تنسخه الشمس ، فهو باق لا يزول (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) أي مصبوب يجري الليل والنهار ولا ينقطع عنهم ، فهو مسكوب بسكب الله إياه في مجاريه ليشرب على ما