فعلوها قبل ذلك بإيمانهم وإحسانهم ورجوعهم إلى الله تعالى (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ) أي ثوابهم (بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بالفرائض والنوافل فهي أحسن أعمالهم ، لأن المباح وإن كان حسنا فلا يستحق به ثواب ولا مدح.
٣٦ ـ ٤٠ ـ لمّا وعد الله سبحانه الصادق والمصدق عقّبه بأنه يكفيهم وإن كانت الأعداء تقصدهم وتؤذيهم فقال (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) استفهام يراد به التقرير ، يعني به محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم يكفيه عداوة من يعاديه ويناوئه (وَيُخَوِّفُونَكَ) يا محمد (بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) كانت الكفار تخوّفه بالأوثان التي كانوا يعبدونها عن قتادة والسدي وابن زيد لأنهم قالوا له : إنا نخاف أن تهلكك آلهتنا (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي من أضلّه الله عن طريق الجنة بكفره ومعاصيه فليس له هاد يهديه إليها وقيل : معناه ان من وصفه بأنه ضال إذا ضل هو عن الحق فليس له من يسميه هاديا وقيل : من يحرمه الله من زيادات الهدى فليس له زائد (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) أي من يهده الله إلى طريق الجنة فلا أحد يضلّه عنها وقيل : من يهده الله فاهتدى فلا يقدر أحد على صرفه عنه وقيل : من بلغ استحقاق زيادات الهدى فقد ارتفع عن تأثير الوسواس (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ) أي قادر قاهر لا يقدر أحد على مغالبته (ذِي انْتِقامٍ) من أعدائه الجاحدين لنعمه. ثم قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) يا محمد (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وأوجدها وأنشأها بعد أن كانت معدومة (لَيَقُولُنَّ اللهُ) الفاعل لذلك ، لأنهم مع عبادتهم الأوثان يقرّون بذلك. ثم احتجّ عليهم بأن ما يعبدونه من دون الله لا يملك كشف الضر والسوء عنهم فقال : (قُلْ) لهم (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ) أي بمرض أو فقر أو بلاء أو شدة (هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ) أي هل يكشفن ضرّه (أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ) أي بخير أو صحة (هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) أي هل يمسكن ويحبسن عني رحمته؟
والمعنى : ان من عجز عن النفع والضر ، وكشف السوء والشر عمّن يتقرّب إليه كيف يحسن منه عبادته؟! وإنما يحسن العبادة لمن قدر على جميع ذلك ، ولا يلحقه العجز والمنع وهو الله تعالى (قُلْ) يا محمد (حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) وبه يثق الواثقون ، ومن توكل على غيره توكل على غير كاف (قُلْ) لهم يا محمد (يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي على قدر جهدكم وطاقتكم في إهلاكي ، وتضعيف أمري (إِنِّي عامِلٌ) قدر جهدي وطاقتي (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) قد مضى مفسّرا ، وفي هذا غاية الوعيد والتهديد.
النظم
اتصل قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) بقوله : (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) ، والمعنى : انه لا ينبغي أن يخوفوك بها مع اعترافهم بأن الخالق هو الله دون غيره.
٤١ ـ ٤٥ ـ ثم بيّن سبحانه تحقيق وعيده بالعذاب المقيم
__________________
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من تعلّم القرآن فلم يعمل به ، وآثر عليه حب الدنيا وزينتها ، استوجب سخط الله تعالى ، وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذين ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم. عقاب الأعمال : ٢٨٢.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى فيقول : (رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) فيؤمر به إلى النار. عقاب الأعمال : ٢٨٦.