قطعة من النار ، وقيل : أي بأصل شجرة فيها نار (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أي تستدفئون بها (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) أي نودي موسى من الجانب الأيمن للوادي (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) وهي البقعة التي قال الله تعالى فيها لموسى : اخلع نعليك إنك بالواد المقدّس طوى ؛ وإنما كانت مباركة لأنها معدن الوحي والرسالة وكلام الله تعالى (مِنَ الشَّجَرَةِ) إنما سمع موسى النداء والكلام من الشجرة لأن الله تعالى فعل الكلام فيها ، وجعل الشجرة محل الكلام ، لأن الكلام عرض يحتاج إلى محل ، وعلم موسى بالمعجز أن ذلك كلامه تعالى ، وهذه أعلى منازل الأنبياء ، أعني أن يسمعوا كلام الله من غير واسطة ومبلّغ. وكان كلامه سبحانه (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي ان المكلم لك هو الله مالك العالمين ، وخالق الخلائق أجمعين ، تعالى وتقدّس عن أن يحلّ في محل ، أو يكون في مكان لأنه ليس بعرض ولا جسم.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثم بيّن سبحانه تمام قصة موسى عليهالسلام فقال : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) إنما أعاد سبحانه هذه القصة وكرّرها في السور تقريرا للحجة على أهل الكتاب ، واستمالة بهم إلى الحق ، ومن أحبّ شيئا أحبّ ذكره ، والقوم كانوا يدّعون محبة موسى ، وكل من ادّعى اتباع سيد مال إلى من ذكره بالفضل على أن كل موضع من مواضع التكرار لا تخلو من زيادة فائدة وها هنا حذف تقديره : فألقاها من يده فانقلبت بإذن الله تعالى ثعبانا عظيما تهتز كأنها جانّ في سرعة حركتها ، وشدة اهتزازها (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) أي تتحرّك (كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً) موسى (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي لم يرجع إلى ذلك الموضع فنودي (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) من ضررها (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) أي أدخلها فيه (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي من غير برص (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) أي ضم يدك إلى صدرك من الخوف فلا خوف عليك والمعنى : ان الله تعالى أمره أن يضم يده إلى صدره فيذهب ما أصابه من الخوف عند معاينة الحية وقيل : أمره سبحانه بالعزم على ما أراده منه ، وحثّه على الجد فيه لئلا يمنعه الخوف الذي يغشاه في بعض الأحوال مما أمره بالمضي فيه ، وليس يريد بقوله : (اضْمُمْ يَدَكَ) الضم المزيل للفرجة بين الشيئين ، عن أبي علي الفارسي قال : وهذا كما ان أشدد في قوله :
أشدد حيازيمك للموت |
|
فإن الموت لاقيكا |
ليس يراد به الشد الذي هو الربط ، والمراد به : تأهّب للموت ، واستعدّ للقائه حتى لا تهاب لقاه ، ولا تجزع من وقوعه (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) معناه : فاليد والعصا حجتان من ربك على نبوتك (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي أرسلناك إلى فرعون وملئه بهاتين الآيتين الباهرتين (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي خارجين من طاعة الله إلى أعظم المعاصي وهو الكفر (قالَ) موسى (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) بتلك النفس (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) وإنما قال ذلك لعقدة كانت في لسانه وقد مرّ فيما مضى ذكر سببها ، وقد كان الله تعالى أزال أكثرها أو جميعها بدعائه (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً) أي معينا لي على تبليغ رسالتك يقال : فلان ردء لفلان إذا كان ينصره ويشدّ ظهره (يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) أي مصدقا لي على ما أؤدّيه من الرسالة (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) هذه استعارة رابعة والمعنى : سنجعله رسولا معك ، ونؤيدك بأن نقرنه إليك في النبوة ، وننصرك به (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) أي حجة وقوة وبرهانا (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا) أي لا يصل فرعون وقومه إلى الإضرار بكما بسبب ما نعطيكما من الآيات ، وما يجري على أيديكما من المعجزات ، فيخافكما فرعون وقومه لأجلها. ثم