الحسن ، قال : والله ما كانت ولاجة ولا خراجة ، ولكنها كانت من الخفرات اللاتي لا يحسن المشي بين يدي الرجال ، والكلام معهم ، أراد أنها كانت تمشي عادلة عن الطريق (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) أي ليكافئك على سقيك لغنمنا ، وأكثر المفسرين على أن أباها شعيب عليهالسلام ؛ قال أبو حازم : لما قالت ليجزيك أجر ما سقيت لناكره ذلك موسى وأراد أن لا يتبعها ، ولم يجد بدّا من أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة وخوف ، فخرج معها ، وكانت الريح تضرب ثوبها فتصف لموسى عجزها فجعل موسى يعرض عنها مرة ، ويغضّ مرة فناداها يا أمة الله كوني خلفي وأرني السمت بقولك فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيّئا ، فقال له شعيب : اجلس يا شاب فتعشّ ، فقال له موسى : أعوذ بالله قال شعيب : ولم ذاك ، ألست بجائع؟ قال : بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بملك الأرض ذهبا ، فقال له شعيب : لا والله يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ، ونطعم الطعام قال : فجعل موسى يأكل وذلك قوله : (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أي فلما جاء موسى شعيبا وقصّ عليه أمره أجمع من قتل القبطي ، وأنهم يطلبونه ليقتلوه (قالَ) له شعيب (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يعني فرعون وقومه فلا سلطان له بأرضنا ولسنا في مملكته.
٢٦ ـ ٣٠ ـ ثم ذكر سبحانه أمر موسى في مدين وانصرافه عنه فقال : (قالَتْ إِحْداهُما) أي إحدى ابنتيه واسمها صفورة وهي التي تزوّج بها (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) أي اتخذه أجيرا (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) أي خير من استعملت من قوي على العمل ، وأداء الأمانة. قال شعيب : وما علمك بأمانته وقوّته؟ قالت : أما قوته فلأنه رفع الحجر الذي لا يرفعه كذا وكذا ، وأما أمانته فإنه قال لي : امشي خلفي فأنا أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي عجزك ، فلما ذكرت المرأة من حاله ما ذكرت زاده ذلك رغبة فيه (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) أي أزوّجك (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) أي على أن تكون أجيرا لي ثماني سنين (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) أي ذلك تفضل منك وليس بواجب عليك ؛ فزوّجه ابنته بمهر ، واستأجره للرعي ، ولم يجعل ذلك مهرا وإنما شرط ذلك عليه (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) في هذه الثمانية حجج وأن أكلفك خدمة سوى رعي الغنم (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) في حسن الصحبة ، والوفاء بالعهد (قالَ) موسى (ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) أي ذلك الذي وصفت وشرطت عليّ فلك ، وما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي وتم الكلام. ثم قال : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) من الثماني والعشر (قَضَيْتُ) أي أتممت وفرغت منه (فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) أي لا ظلم علي بأن أكلف أكثر منها ، وأطالب بالزيادة عليهما (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) أي شهيد فيما بيني وبينك (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) أي أوفاهما ، وتوجّه نحو الشام (وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) لما قضى العشر سار بأهله : أي بامرأته ، وبأولاد الغنم التي كانت له وكانت قطيعا ، فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام ، وامرأته في شهرها ، فسار في البرية غير عارف بالطريق فألجأه المسير إلى جانب الطور الأيمن في ليلة مظلمة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطلق ، وضلّ الطريق ، وتفرّقت ماشيته ، فأصابه المطر ، فبقي لا يدري أين يتوجه ، فبينا هو كذلك آنس من جانب الطور نارا وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليهالسلام قال لما قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطريق ليلا فرأى نارا (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً) وقد مرّ تفسيره (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي بخبر من الطريق الذي أريد قصده ، وهل أنا على صوبه أو منحرف عنه (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ) أي