بوضع الشرائع والأحكام ، والنبي الذي يحفظ شريعة غيره عن الجاحظ ؛ والله سبحانه خاطب نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم مرّة بالنبي ، ومرّة بالرسول فقال : يا أيّها الرسول ، ويا أيّها النبي فالرسول والنبيّ واحد ، لأنّ الرسول يعم الملائكة والبشر ، والنبيّ يختصّ البشر ، فجمع بينهما هنا في قوله : (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) قال المرتضى : لا يخلو التمني في الآية من أن يكون معناه : التلاوة كما قال حسان بن ثابت.
تمنّى كتاب الله أوّل ليلة |
|
وآخره لاقى حمام المقادر |
أو يكون تمني القلب ، فإن كان المراد التلاوة فالمعنى : ان من أرسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه حرّفوا عليه ، وزادوا فيما يقوله ونقصوا كما فعلت اليهود ، وأضاف ذلك إلى الشيطان لأنه يقع بغروره (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أي يزيله ويدحضه بظهور حججه ؛ وخرج هذا على وجه التسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لما كذب المشركون عليه ، وأضافوا إلى تلاوته من مدح آلهتهم ما لم يكن فيها ؛ وإن كان المراد تمنّي القلب فالوجه : ان الرسول متى تمنّى بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور وسوس إليه الشيطان بالباطل يدعوه إليه ، وينسخ الله ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان ، وترك استماع غروره (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) أي يبقي آياته ودلائله وأوامره محكمة لا سهو فيها ولا غلط (وَاللهُ عَلِيمٌ) بكل شيء (حَكِيمٌ) واضع للأشياء مواضعها (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) أي ليجعل ذلك تشديدا في التعبد وامتحانا والمعنى : أنه شدّد المحنة والتكليف على الذين في قلوبهم شكّ ، وعلى الذين قست قلوبهم من الكفار فتلزمهم الدلالة على الفرق بين ما يحكمه الله وبين ما يلقيه الشيطان (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي في معاداة ومخالفة بعيدة عن الحق (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بالله وبتوحيده وبحكمته (أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي ان القرآن حق لا يجوز عليه التبديل والتغيير (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) أي فيثبتوا على ايمانهم ، وقيل : يزدادوا إيمانا إلى إيمانهم (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) أي تخشع وتتواضع لقوة إيمانهم (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي طريق واضح لا عوج فيه ، أي يثبتهم على الدين الحق (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) أي في شكّ من القرآن عن ابن جريج ، وهذا خاص فيمن علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون من الكفار (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أي فجأة وعلى غفلة (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) قيل : انه عذاب يوم بدر ، وسمّاه عقيما لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه ، وقيل : إنما سمي ذلك اليوم عقيما لأنه لم يكن فيه للكفار خير ، فهو كالريح العقيم التي لا تأتي بخير ، عن الضحاك ، واختاره الزجاج ، وقيل : المراد به يوم القيامة ، والمعنى : حتى تأتيهم علامات الساعة ، أو عذاب يوم القيامة ، وسمّاه
__________________
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مرضه : أيّها الناس يوشك أن أقبض سريعا فينطلق بي وقد قدّمت إليكم القول معذرة إليكم ، ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب الله عزوجل ، وعترتي أهل بيتي.
ثم أخذ بيد عليّ عليهالسلام فرفعها فقال : هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض ، فاسألوهما ما خلفت فيهما. الصواعق المحرقة : ٧٥.