المصر ، فإن اللص المحارب في المصر وخارج المصر سواء ، وهو مذهب الشافعي والأوزاعي ومالك (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ) قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهمالسلام : إنما جزاء المحارب على قدر استحقاقه ، فإن قتل فجزاؤه أن يقتل ، وإن قتل وأخذ المال فجزاؤه أن يقتل ويصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل فجزاؤه أن تقطع يده ورجله من خلاف ، وإن أخاف السبيل فقط فإنما عليه النفي لا غير ، وبه قال إبن عباس وسعيد بن جبير وقتادة والسدي والربيع وقوله : (مِنْ خِلافٍ) معناه : اليد اليمنى ، والرجل اليسرى (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) الذي يذهب إليه أصحابنا الإمامية أن ينفى من بلد إلى بلد حتى يتوب ويرجع ، وبه قال إبن عباس والحسن والسدي وسعيد بن جبير وغيرهم ، وإليه ذهب الشافعي (ذلِكَ) أي فعل ما ذكرناه (لَهُمْ خِزْيٌ) أي فضيحة وهوان (فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) زيادة على ذلك (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) لما بيّن سبحانه حكم المحارب استثنى من جملتهم من يتوب مما ارتكبه قبل أن يؤخذ ويقدر عليه ، لأن توبته بعد قيام البينة عليه ووقوعه في يد الامام لا تنفعه ، بل يجب إقامة الحد عليه (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقبل توبته ويدخله الجنة.
٣٥ ـ لما تقدّم ذكر القتل والمحاربين عقّب ذلك بالموعظة والأمر بالتقوى فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي اتقوا معاصيه واجتنبوها (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) أي اطلبوا إليه بما يرضيه من الطاعات ، وقيل : الوسيلة أفضل درجات الجنّة ؛ وروي عن النّبيّ صلىاللهعليهوآله انه قال : سلوا الله لي الوسيلة فانها درجة في الجنة لا ينالها إلا عبد واحد ، وأرجو أن أكون أنا هو (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) أي في طريق دينه مع أعدائه ؛ والجهاد في سبيل الله قد يكون باليد واللسان والقلب وبالسيف والقول والكتاب (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي لكي تظفروا بنعيم الأبد ، والمعنى اعملوا على رجاء الفلاح والفوز وقيل : لعل وعسى من الله واجب ، فكأنه قال : اعملوا لتفلحوا.
٣٦ ـ ٣٧ ـ ثم أخبر سبحانه عن وعيد الكفار فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ) أي لكل واحد منهم (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من المال والولاية والملك (وَمِثْلَهُ) أي مثل ذلك (مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ) أي ليجعلوا ذلك فداهم وبدله (مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ) الذي يستحقونه على كفرهم فافتدوا بذلك (ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) ذلك الفداء (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي وجيع (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ) أي كلما دفعتهم النار بلهبها رجوا أن يخرجوا وهو كقوله كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل معناه : يكادون يخرجون منها إذا دفعتهم النار بلهبها (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) يعني جهنم (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) أي دائم ثابت لا يزول ولا يحول.
٣٨ ـ ٤٠ ـ لمّا ذكر تعالى الحكم فيمن أخذ المال جهارا عقّبه ببيان الحكم فيمن أخذ المال اسرارا فقال : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) والألف واللام للجنس فالمعنى : كل من سرق رجلا كان أو امرأة ، وبدأ بالسارق هنا لأن الغالب وجود السرقة في الرجال ، وبدأ في آية الزنا بالنساء فقال : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) لأن الغالب وجود ذلك في النساء (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) أي أيمانهما تقطع من أصول الأصابع ، وتترك له الإبهام والكف ، وفي المرة الثانية تقطع رجله اليسرى من أصل الساق ويترك عقبه يعتمد عليها في الصلاة ، فإن سرق بعد ذلك خلد في السجن ، (جَزاءً بِما كَسَبا) أي افعلوا ذلك بهما مجازاة بكسبهما وفعلهما (نَكالاً مِنَ اللهِ) أي عقوبة على ما فعلاه (وَاللهُ عَزِيزٌ) لا يغلب ولا يقهر (حَكِيمٌ) يفعل على وجه الحكمة (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) أي أقلع وندم على ما كان منه من