الهمكم الله بعقولكم حتى ميزتم بين المعلم وغير المعلم ، (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) أي مما أمسك الجوارح عليكم (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) أي قبل الإرسال وقيل معناه : اذكروا اسم الله على ذبح ما تذبحونه ، وهذا صريح في وجوب التسمية (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) قد مرّ تفسيره.
٥ ـ ثم بيّن سبحانه في هذه الآية ما يحل من الأطعمة والأنكحة إتماما لما تقدم فقال : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) وقد مرّ معناه وهذا يقتضي تحليل كل مستطاب من الأطعمة إلّا ما قام الدليل على تحريمه (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) انه مختص بالحبوب وما لا يحتاج فيه إلى التذكية ، فأما ذبائحهم فلا تحل (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) معناه : وطعامكم يحل لكم ان تطعموهم (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) معناه : وأحل لكم العقد على المحصنات : أي العفايف من المؤمنات (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) إذا أسلمن (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي مهورهن (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) يعني اعفاء غير زانين بكل فاجرة وهو منصوب على الحال (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) أي ولا متفردين ببغية واحدة ، خادنها وخادنته : اتخذها لنفسه صديقة يفجر بها ، وقد مرّ معنى الإحصان والسفاح والاخدان في سورة النساء (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) أي ومن يجحد ما أمر الله بالإقرار به ، والتصديق له : من توحيد الله ، وعدله ، ونبوة نبيه (ص) (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) الذي عمله واعتقده قربة إلى الله تعالى ، وإنما تحبط الأعمال بأن لا يستحق عليها ثواب (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي الهالكين. وقيل : المعني بقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) أهل الكتاب ، ويكون معناه : ومن يمتنع عن الإيمان ولم يؤمن.
٦ ـ لمّا تقدّم الأمر بالوفاء بالعقود ومن جملتها إقامة الصلاة ، ومن شرائطها الطهارة ، بيّن سبحانه ذلك بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) معناه : إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم على غير طهر ، وحذف الإرادة لأن في الكلام دلالة على ذلك ، ومثله قوله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ، وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ، والمعنى إذا أردت قراءة القرآن ، وإذا كنت فيهم فإذا أردت أن تقيم لهم الصلاة ، وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) هذا أمر منه سبحانه بغسل الوجه ، والغسل هو امرار الماء على المحل حتى يسيل ، والمسح : أن يبل المحل بالماء من غير أن يسيل ؛ وحدّ الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا ، وما دخل بين الإبهام والوسطى عرضا (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) أي واغسلوا ذلك أيضا ، والمرافق : جمع مرفقة وهو المكان الذي يرتفق به ، أي يتكأ عليه من اليد (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) وهذا أمر بمسح الرأس والمسح أن تمسح شيئا بيديك كمسح العرق عن جبينك ، والظاهر لا يوجب التعميم في مسح الرأس ، لأن من مسح البعض يسمى ماسحا (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) عن أحمد بن محمد قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (ع) عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع بكفه على الأصابع ثم مسحهما إلى الكعبين. وروي عن ابن عباس أنه وصف وضوء رسول الله (ص) : فمسح على رجليه ، وروي عنه أنه قال : إن في كتاب الله المسح ويأبى الناس إلّا الغسل ، وقال : الوضوء غسلتان ومسحتان (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) معناه : إن كنتم جنبا عند القيام إلى الصّلاة فتطهروا بالإغتسال وهو أن تغسلوا جميع البدن (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) قد مر تفسيره في سورة