قلنا : هذا قياس وإن كان غير صحيح وبالقياس لا تثبت عندنا الأحكام الشرعية ، ثمّ لو لزم ذلك للزم أن يرث الأبوان مع الولد للذكر مثل حظّ الأنثيين ولا تساوي بينهما لاستوائهما في الدرج والولادة ، وللزم مثله أيضا في الأخوة والأخوات من الأم والجدّ والجدّة إذا استووا في الدرجة.
واحتج ابن علية في هذه المسألة وتبعه في ذلك أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي (١) بأن للأب وللامّ إذا لم يكن معهما غيرهما فللام الثلث وللأب الثلثان ، فإذا دخل عليهما من استحق بعض المال وجب أن يرجعا إلى ما كان لهما في الأصل ، كشريكين كان بينهما مال لأحدهما ثلاثة وللآخر ثلاثاه فاستحقّ مستحقّ بعض هذا المال ، فالواجب أن يقسم ما بقي من المال على ما كان لهما في الأصل ، لصاحب الثلث ثلث ما بقي ولصاحب الثلثين ثلثا ما بقي.
وقد قوّى أبو بكر الرازي هذا الاحتجاج بأن قال : ان الله تعالى جعل عند انفراد الأبوين بالميراث للامّ الثلث وللأب الثلثين كما جعل مثل ذلك للابن والبنت في قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وللأخ والأخت في قوله تعالى : (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٢) ثمّ لما سمّى للزوج والزوجة ما سمّى لهما وأخذا نصيبهما كان الباقي بين الابن والبنت على ما كان عليه قبل دخولهما ، وكذلك بين الأخ والأخت ، وهذا يقتضي في مسألة الأبوين أن يكون إذا أخذ الزوج والزوجة نصيبهما فوجب أن يكون ما كان للأبوين على ما استحقاه في الأصل قبل دخول الزوجين (٣) ، وهذا احتجاج ركيك مبني على فساد ؛ لأن الله تعالى إذا فرض للام الثلث عند انفراد الأبوين بالميراث ولم يسمّ للأب شيئا فأعطيناه ما بقي فكان الثلثين اتفاقا للأب ، لا لأنه السهم المعيّن ، وإذا كان فرض الأم الثلث في كلّ موضع وقد بيّنا أن الظاهر يقتضي أنه الثلث من أصل المال وجب أن نعطيها الثلث كاملا من المال مع الداخل وفقد الداخل ، ويكون للأب ما بقي كائنا ما كان. ولا يشبه ذلك
__________________
(١) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٢ : ٨٣.
(٢) سورة النساء ، الآية : ١٧٦.
(٣) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٢ : ٨٣.