وقال في آخر الفصل : «ومن عجيب أمر هذا المستدلّ أنه ادّعى ما يجري مجرى الضرورة عند هذا الخبر ، ثمّ ذكر أنه اشتبه على الناس بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حال هذا النصّ من حيث ثبت عندهم قوله : «الأئمّة من قريش» وظنّوا أن هذا العموم يقضي على ذلك النصّ».
قال : «وهذا من بعيد ما يقال ؛ لأنهم إذا عرفوا ذلك باضطرار وهم جمع عظيم ، فلا بدّ من أن يعرفه غيرهم بخبرهم ، ومتى اشتهرت الحال في ذلك لم يصحّ وقوع الاشتباه عليهم ، ...» (١).
يقال له : قد علمنا من الذي وجهت كنايتك في هذا الفصل إليه ، وهو شيخنا أبو جعفر بن قبة رحمهالله والذي ذكره في صدر كتابه المعروف ب «الإنصاف والانتصاف» خلاف ما ظننته ؛ لأنّه إنما أوجب كون النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ملبسا محيّرا متى لم يقصد النصّ بخبر الغدير من حيث بيّن رحمهالله اقتضاء ظاهر الكلام للنصّ ، وانه متى حمل على خلافه كان القول خارجا عن مذهب أهل اللغة ، وقد فرّق في الكتاب أيضا بين متشابه القرآن وبين ما أنكره بأن قال : «إن العقل دالّ على أنه تعالى لم يقصد بذلك التشبيه وما جرى مجراه ممّا لا يجوز عليه ، والمخاطبون في تلك الحال بالمتشابه قد فهموا معناه ، وليس مثل هذا في النصّ ؛ لأن العقل لا يخيل أن يكون قصد بخبر الغدير إلى النصّ» وأسقط رحمهالله قول من سأل فقال : جوزوا أن يكون السامعون لخبر الغدير من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد فهموا مراده ، وأنه لم يرد به النصّ بأن قال : «إذا كانت معرفة المراد من الكلام لازمة لنا كلزومها لهم لم يجز أن يخصّوا بدلالة أو ما يجري مجرى الدلالة ممّا يوصل إلى معرفة المراد دوننا ، ولوجب أن يقطع عذر الجميع في معرفة مراده لعموم التكليف لهم».
فأمّا ما توهّمه على أبي جعفر من ادّعاء الضرورة في معرفة النصّ من خبر الغدير ، وأنه ناقض من بعد بقوله : «إن الأمر اشتبه على الناس حتى ظنّوا أن
__________________
(١) المغني ، ٢٠ : ١٥٨.