كنت أولى به في تدبيره وأمره ونهيه فعليّ أولى به في ذلك ، فقد وضح ما قصدناه من الدلالة على النصّ بالإمامة من غير حاجة إلى أن لفظة «مولى» تجري على ملك الطاعة بنفسها ، هذا على الطريقة الأولى ، فأمّا على طريقة التقسيم فهي أيضا غير مفتقرة إلى ذلك ؛ لأنّه إذا بطل أن يكون مراده صلىاللهعليهوآلهوسلم بلفظة «مولى» سائر ما يحتمله اللفظة سوى أولى وبطل أن يريد بأولي شيئا مما يجوز أن يضاف إلى هذه اللفظة سوى ما يقتضي الإمامة ، والتحقق بالتدبير لما تقدّم ذكره ، فقد وضح وجه الاستدلال بالطريقتين معا.
قال صاحب الكتاب : «وقد ذكر أبو مسلم أن هذه الكلمة مأخوذة من الموالاة بين الأشياء يعني اتباع بعضها بعضا ، ولذلك يقولون فيمن يختصون به من أقربائهم إذا أخبروا عنهم : هذا لي ولمن يلين (١) وكأن المعنى في كون المؤمن مواليا لأخيه أن يكون متابعا له ، ثم تصرفوا في الاستعمال قرينة على أن التعارف في ذلك هو بمعنى النصرة ومتابعة البعض للبعض فيما يتّصل بأمر الدين ، وذلك لا يليق بالإمامة ؛ لأن الوجه الذي له يكون مولى لهم يقتضي أن يختصوا بمتابعته ويكون المتابعة من أحد الطرفين ، واشتقاق اللفظ يقتضي المتابعة من كلا الطرفين ، وذلك يليق بالموالاة في الدين ، وإنّما يقال في الإمام إنّه مولى لا من جهة الإمامة ، بل من جهة الدين ؛ لأنّه إذا اختص بالإمامة لزمته النصرة وسائر ما يختصّ به ويتعلّق بالدين (٢) ، وعلى هذا الوجه يقال في سائر رعيّته : أنهم موال له ، كما يقال فيه : أنه مولى لهم ، وقد بيّنا أن المعاني التي يختصّ بها الإمام وتفيدها الإمامة لا يعلم إلّا بالشرع ؛ لأنّ العقل لا يميّز ذلك من غيره ، وإنّما نعرف ذلك شرعا ، فلا يمكن أن يقال : إنّ لفظة «مولى» تفيده من جهة اللغة إلّا على وجه التشبيه ، ولا يمكن أن يقال : إنها لفظة شرعية ولا للتعارف فيها مدخل ، فكيف يمكن ما ذكروه من إدخال ذلك في القسمة فضلا
__________________
(١) في المغني «ولمن يليني فكأن».
(٢) في المغني «لتعلّق» وقال المعلّق : «كذا بالأصل» واكتفى بذلك وخفي عليه المراد!